يتحدث المال بصوتٍ عالٍ كفاية بحيث يكاد أن يكون العجلة الرابعة المكملة للثلاثية المضطربة في فيلم دعهم يتحدثون/Let Them All Talk، وهو الفيلم الجديد للمخرج ستيفن سودربرغ، الذي يعرض حاليًا على HBO Max، بحسب مراجعة الناقد ك.أوستن كولنز المنشورة في مجلة رولينج ستون الأمريكية.
تدور قصة فيلم الدراما والكوميديا حول ثلاثة سيدات كنّ زميلات سابقًا في الجامعة، وهنّ أليس تؤدي دورها الممثلة الأوسكارية ميريل ستريب، روبيرتا تؤدي دروها الممثلة الحائزة على جائزة غولدن غلوب كانديس بيرغن، وسوزان تؤدي دورها الممثلة الأوسكارية أيضًا دايان ويست، عندما يجتمعنّ مرة أخرى على متن سفينة في رحلة في المحيط بعد عقود من الانفصال الذي استتبعه كثير من المرح عند اللقاء، لكنه يتلاشى لاحقًا، ثم ما لبث أن عاد من جديد.
أما المناسبة فكانت حصول أليس – وهي الكاتبة الحائزة على جائزة بولتيزر الأمريكية للفنون – عن عمل سابق تم تحويله الى فيلم ومسلسل تلفزيوني على جائزة أدبية كبرى في إنجلترا، وهو ما أثار استياء وكيلتها كارين التي تؤدي دورها جيما تشان؛ ترفض أليس بسبب رهابها الذهاب جوًا، لذلك قررت السفر بحرًا، وفي مكان ما على خط المحيط قررت أليس أن هذه الرحلة ستكون حجة لطيفة للمّ شملها مع صديقاتها، وذلك على الرغم من عدم معرفتها الهدف من هذا اللقاء هل هو المصالحة أم الحنين.
يرى الناقد ك.أوستن كولنز أن المال يتحدث بصوتٍ عالٍ كفاية بحيث يكاد أن يكون العجلة الرابعة المكملة للثلاثية المضطربة في فيلم دعهم يتحدثون
تقول أليس لصديقاتها: “بمجرد إن نبدأ الرحلة لن أكون متاحة طوال الوقت”، إذ أنها كانت تريد إنهاء مسودة الكتاب، وأحضرت أليس معها أيضًا ابن أخيها الهزيل، تيلر، الذي أدى دوره لوكاس هيدجز، كما كانت كارن أيضًا وكيلة أعمالها على متن الرحلة ولكن بدون علم أليس.
هناك الكثير مما لا تعرفه تلك النسوة عن بعضهنّ وعن الخلافات العالقة بينهنّ منذ أيام الجامعة إلى الآن، روبيرتا هي الأقل نجاحًا بين المجموعة وهو ما سنعلم سببه لاحقا، سفينة مليئة بالرجال الأغنياء في مثل سنها أمر له أثر كبير لديها، في حين أن سوزان تعتقد أنها الأقل رقيًّا بين صديقاتها، ولكن في الواقع مع عينيها الحالمتين الباحثتين عن التفاصيل واللتين تستطيعان إثارة البهجة لدى الآخرين، كانت هي الأكثر رقيًا.
أما تيلر فكان سعيدًا لمجرد وجوده على متن الرحلة إلى أن يصاب بصدمة عاطفية تدفعه بشيء مفاجىء، هذه الصدمة كانت كارين التي شاركت في هذه الرحلة خفية، والتي كانت كل ما يهمها أن تضع يدها على مسودة الكتاب، ليس فقط ذلك بل كانت تتمنى أيضًا أن يكون هذا الكتاب قادرًا على جني المال.
يتعمق فيلم “دعهم يتحدثون” في كل هذه التفاصيل ممسكًا بها بإحكام، كما أن هنالك ألغاز كثيرة في هذا الفيلم تكمن في الأفكار الكبيرة التي تتم مناقشتها، وتواتر المشاهد من مشهد إلى آخر كانت فعالة بقدر ما كانت متشابكة ومليئة بالصراعات، على الرغم من كونها تشعر المشاهد بالراحة والاسترخاء.
إذا كان لشخص ما أن يعرف كيف يجلس في الظل ويسمح لفرق التمثيل بالقيام بعملهم خير قيام فهو المخرج سودربرغ، صانع هذا الفيلم، والذي قام بإخراجه وفقا للأسلوب الجديد التجريدي، وفي وقت قصير جدًا أسبوعين كاملين على متن سفينة آر إم إس كوين ماري 2/ RMS Queen Mary 2، وقصة الفيلم كانت بالكاد قد كتبته ديبورا أيزنبرغ، وصاغ خطوطه العامة سودربرغ وشركاؤه بالعمل لينتجوا عملًا ممتعًا وغير متحفظ.
تقول ويست في حديثها مع صحيفة انديبندنت الأسبوعية إنه: “من الواضح أن المخرج وضع الكاميرا على كرسيّ متحرّك ودحرجها معه”. إنها أخلاقيات حرة، وما زاد الأمر غرابة أن الفيلم لم يكن ارتجاليًا وحرًا كما كان بين يدي هذا المخرج، وبالطبع كان هنالك الكثير من المتعة والمفاجأة، مفاجأة ذات عنوان واضح والكثير من الحظات الحاسمة والحوارات الحادة.
سودربرغ – والذي كما هو معروف يقوم بتحرير أفلامه بنفسه – لديه موهبة في إمساك القواعد والأدوات الأساسية للأفلام، ليعلمنا كيف وأين ننظر، وكذلك استخدام هذه الأدوات لتحريك المشاهد الراكدة وجعلها مثيرة للمشاهد وبعيدة عن الملل، ومع ذلك تمنيت لو أن الفيلم كان مشغولًا بشكل أقل كي يعمل سودربرغ على الكاميرا والتمثيل والخيوط الفكرية، إذ أن سودربرغ كان يعرف تمامًا كيف يبني، وكان ليفعل المزيد، لأن سودربرغ وهو في أفضل حالاته قادر على الذهاب بالعقل حتى في الأفلام التي ترتدي طابعًا ترفيهيًا بشكل كامل.
دعهم يتحدثون، فيلم ساخط إلى حد ما، لكنه ممتع حتى في الحوارات السخيفة إلى جانب الأفكار العميقة التي يتطلع إليها المشاهد عن الكتابة، عن الصداقة، عن التجربة؛ وبيرغن بهجة بحد ذاتها، بإمكانها أن تنظر إلى شخص ما كما لو أنها تريد قتله، وتجعلك بحالة ترقب وأن تتخيل يديها حول عنقه، وبطريقة ما فإن شخصية روبيرتا وقصة دمارها على يد صديقتها أليس كانت الخيط الذي يجمع حبكة الفيلم معًا.
يعتبر الناقد ك.أوستن كولنز أن فيلم دعهم يتحدثون ساخط إلى حد ما، لكنه ممتع حتى في الحوارات السخيفة إلى جانب الأفكار العميقة التي يتطلع إليها المشاهد
المشكلة التي دارت حول كاتبة مثل أليس، المدافعة عن الخيال العالي، هو اقتباسها في كتاباتها من حياة الآخرين، على كل حال، ما هي مسؤوليتها وتأثيرها على الحياةالحقيقية لصديقاتها؟ لا تسأل أليس، إن طريقة الفيلم في التعاطي مع هذه المشكلة جعلها أكثر غموضًا من أن يوضحها.
لكن روبيرتا – الأقل نجاحًا من صديقاتها – والتي دمرها الطلاق، شعرت بالمرارة الشديدة عندما اعتقدت أن أليس اقتبست قصتها في عملها الفني، كان يمكن لها أن تكون نجمة أيضًا في ذلك الفيلم الذي كان بعنوان أصدقاء مع المال/ Friends with money.
المال، أكثر من أي شيء آخر، أكثر حتى من الحديث، هو الذي يشعل أحداث هذا الفيلم بإطار هزلي جميل، وهو ما نقلتنا له عصا سودربرغ السحرية، لقد أعطتنا بالفعل الكثير من المساحات للنظر فيها.