“واندا فيجن”.. عن الجانب الإنساني للمرأة في عالم مارفل السينمائي

إيزابيث أولسن بدور واند وبول بيتاني بدور فيجن في المسلسل | مارفل استديو

في مراجعتها التي نُشرت بعنوان “أخيرًا (واندا فيجن) مسلسل بمحتوى للأبطال الخارقين يركز على الجانب الإنساني للمرأة وليس على قواها الخارقة” في موقع ذا رينجر المتخصص في التكنولوجيا والثقافة والرياضة، تناقش الكاتبة أليسون هيرمان أول مسلسل من إنتاج منصة ديزني بلس عن عالم مارفل السينمائي، حيثُ يتجنب المنهج المُتّبع الذي يصوّر المرأة التي تتمتع بقوى خارقة، وهو شيء قد عانت منه الإمتيازات التجارية الأخرى في هذا النوع من الأعمال الفنية لوقت طويل.

ووفقًا لاتفاقيات التسمية الخاصة بعالم مارفل السينمائي، فإن مسلسل واندا فيجن/ Wanda Vision قد أعُلن عنه كعرض تؤديه شخصيتين رئيسيتين واندا وفيجن، حيث نجد أيضاً أن فيلم النمر الأسود/ Black Panther كان عن الملك تشالا وفيلم الرجل الحديدي/ Iron Manعن توني ستارك، لذلك من المنطقي أن أول عمل تلفزيوني من مارفل يدمج شخصيتين بشكل كامل سيلقي الضوء بشكل متساوي على كِلا الجانبين الرئيسيين وهما: واندا ماكسيموف، وهي لاجئة سوكوفية تمتلك قوى سحرية خارقة، وزوجها فيجن، وهو إنسان آلي مصنوع من مادة كربونية فهو بشكل أساسي يدمج بين نظام تشغيل ذكي وجسد رجل آلي، ونرى أن واندا وفيجن وعلاقتهما ظهرت بشكل متكرر في العديد من خلفيات قصص عالم مارفل، لكنهما الآن سيكونان المحور الرئيسي معًا في هذا المسلسل.

وبالطبع، كان هناك دائمًا أدلة بأن الحقيقة هنا لن تكون هكذا بالفعل، حتى أن المعجبين العاديين لمارفل كانوا مدركين لذلك، إذ أن فيجن لم يكن موجودًا في الواقع ليمثّل دور البطولة في عمل تلفزيوني خاص به، فقد مات مرتين في نهاية الخاتمة الكبرى لقصة المنتقمين، كما أن اسم المسلسل لم يكن مجرّد مزج بين اسمي أصحاب الأدوار الرئيسية، ذلك نظرًا إلى الإشارات المكثفة ضمن الإعلان التشويقي الرسمي السابق، والذي يشير إلى وجود مسلسلات كوميدية كلاسيكية معروضة فيه، والنتيجة أن اسم المسلسل كان أشبه بلعبة الكلمات التي تعتمد على التلاعب اللفظي لتدل على وجود واندا وفيجن، وفي الوقت نفسه تدل على وجود واندا والتلفزيون لتلمّح إلى جذر عنوان المسلسل الساحر.

اسم المسلسل كان أشبه بلعبة الكلمات التي تعتمد على التلاعب اللفظي لتدل على وجود واندا وفيجن، وفي الوقت نفسه تدل على وجود واندا والتلفزيون لتلمّح إلى جذر عنوان المسلسل الساحر

لذلك كان للتضليل السابق الأثر في إخفاء واحد من خصائص المسلسل المميزة الموجودة في عالم مارفل، وعلى مدى التسع حلقات، يكشف المسلسل عن نفسه، بأنه يتمحور بشكل كبير حول شخصية واندا فقط، المرأة التي وجّهت من دون وعي منها حزنها ليصبح نسخة محاكية لسيناريو يعكس التواجد قرب العائلة، فالخيال المنسوج في المسلسل عبارة عن إسقاط نفسي لواندا ضمن عرض تلفزيوني، متضمنًا أطفال واندا وفيجن التوأم اللذان يكبران بشكل سريع في هذه النسخة المحاكية، وتقريبًا كل شخصية داخل هذه النسخة (بدءًا من الممثلة كاثرين هانكس التي تلعب دور أغاثا هاركنس إلى الممثلة تيونا باريس بدور مونيكا رامبو) تُحدّد من خلال علاقتها وتفاعلها مع واندا التي تدير العرض التلفزيوني بكل معنى الكلمة.

ولو أن عنوان العمل واندا فيجن قد اختُصِرَ ليكون اسمًا عاديًا مثل واندا فقط، لكان قد رسم طابعًا بارزًا للمسلسل (والذي من المحتمل ألا يكون جذّابًا)؛ فهذا العمل ليس فقط أول قصة من مارفل تصبح نموذجًا يأخذ شكل البرنامج التلفزيوني، لكنه أيضًا عضو في مجموعة مازالت قليلة الإنضمام تعمل على تعميم بطولات الأبطال الخارقين التي تبنى لتدور حول بطولات النساء. في حين أن واندا فيجن لم يتم تسويقه بشكل صريح كمدخل يعتمد على الإمتيازات الأنثوية، وهو خروج تام عما سبقه من الأعمال، لنجد أن البراعة المرتبطة بهذا النهج عملت في النهاية لصالحه من خلال تجنب بعض الرسائل المزعجة والتي تحدّد بالضبط سمات بعض عناوين الأعمال، وفي الواقع يستطيع واندا فيجن أن يشرح فكرة وجود امرأة لديها قوى خارقة بشكل غير مباشر ومحدد أكثر من الأفلام التي جعلت من هذه الفكرة نقطتها الأساسية الوحيدة، تاركةً بذلك القصة والأسلوب يؤديان العمل الذي لا تستطيع أن تقوم به العبارات.

وفي العصر الحديث للأفلام والمسلسلات الناجحة، حققت شركة وارنر برثرز نجاحًا ضخمًا في فيلم المرأة الخارقة/Wonder Woman، لكن هذا قد جاء متأخراً، فعلى الرغم من أن شخصية ديانا في الفيلم كانت مبدعة بقدر شخصيتي بروس واين من فيلم باتمان، وكلارك كينت من فيلم سوبر مان، فهي لم تحصل على فيلمها الخاص إلا بعد حصول هذين الإثنين على ذلك. بالإضافة إلى أنها أظهرت بشكل مُبسّط نوع من القوى الخارقة المرتبطة بكونها امرأة.

أما من جانب مارفل، سبقت الأرملة السوداء شخصية واندا كأول أنثى بين المنتقمين، لكن فيلم الأرملة السوداء/Black Widow الذي يقدّم أحداثًا سابقة لأحداث فيلم المنتقمون تم تأجيل الموعد المحدد لعرضه بسبب وباء فيروس كورونا الجديد وما نتج عنه من إغلاق لدور العرض. كما أن فيلم كابتن مارفل/ Captain Marvelقُلِّلَ من قيمته بإعتباره أول دخول مستقل لبطلة خارقة وربما يعود ذلك لعدم الرغبة في لفت الإنتباه لقدومه في عام 2019 لذلك فقد كان مخيبًا للآمال بجدارة، ومن المعروف أن جاك شافير مديرة عرض واندا فيجن شاركت في كتابة كل من فيلمي كابتن مارفل والأرملة السوداء القادم.

ربما ليس من باب المصادفة أن المثال الأقوى في المختصر هو التاريخ المليء بنساء يؤدينّ الأدوار البطولية في مشاريع الأبطال الخارقين داخل الإمتداد (أي قصص جديدة لشخصيات موجودة)، وهو ما يعتبر الأكثر ارتباطًا  بحقوق الملكية الفكرية الخاصة بها. علاوة على أن الموسم الأول لمسلسل جيسيكا جونز/ Jessica Jonesمن إنتاج مارفل والحاصل على أفضل المراجعات للقمر الصناعي الخاص بمارفل على منصة نتفلكس قد حوّل قدرة “التحكم في العقل” إلى تعبير مجازي ناتج عن كل التجارب الشائعة من الإساءة والاعتداء. فقد يكون لشخصية جيسيكا قوة خارقة لكن مقدار كبير من الحبكة دار حول تجربة أقل تميزًا للتعافي من الصدمة الجنسية.

يشرح مسلسل واندا فيجن فكرة وجود امرأة لديها قوى خارقة بشكل غير مباشر ومحدد أكثر من الأفلام التي جعلت من هذه الفكرة نقطتها الأساسية الوحيدة

كذلك، واندا ماكسيموف مرّت بالكثير من الصدمات سواء فيما يتعلق بالخسارة أو الحزن الذي تبع هذه الخسارة، فعمومًا كلاهما لم يُفهما على أنهما تجارب مرتبطة بجنس واندا كإمرأة أو على الأقل لم تكن تجربتها مثل الوصف الذي تقدّمه جيسيكا جونز عن الاعتداء الجنسي الذي تعرّضت له، ومن الجدير بالذكر أن مسلسل جيسيكا جونز كان لديه الحرية للتعمق بمواضيع أكثر سوداوية، وبناءً على ذلك أصبح المسلسل مصنف بالفئة المُقيّدة التي لا تصلح لمن دون سن السابعة عشر، بينما مسلسل واندا فيجن تم بثه على منصة ديزني بلس والتي تصلح للمشاهدة العائلية، غير أن الطريقة التي رَثت بها واندا والديها وأخاها، وأخيرًا زوجها كانت مُشفرّة ضمنيًا بالحد الذي يصعب عنده تخيل القصة نفسها تُمثّل بنفس الطريقة بواسطة بطل ذكر.

فنجد أن الخيال الذي تنسجه واندا لنفسها هو خيال لحياة عائلية، ليظهر نطاق قوتها السحرية في مدينة ويستفيو في ولاية نيوجيرسي لأن هذه الضواحي هي المكان الذي خططت هي وفيجن أن يبنوا منزلًا ويؤسسوا عائلة فيه، لكن مع انتهاء هذا المستقبل تغرق واندا في الماضي ثم تصوّر نفسها على أنها ربة المنزل المثالية التي تطبخ، تنظف، وتربي. ومن هنا، تُشكّل الأمومة جزءًا أساسيًا من الخيال المذكور، حيث ترثي واندا ليس فقط ما فقدته بل أيضًا الأطفال الذين لم تنجبهم أبدًا هي وفيجن (بيولوجيًا إنجاب كائن من إنسان آلي وساحرة من غير الضروري أن يتحقق منه ليكون قلق واندا حقيقيًا)، وعلى الرغم من أنه ليس من غير المسبوق على الأبطال الخارقين الذكور الإهتمام بالأطفال فإن القلق المرافق للأمومة يُعد تعبير مجازي تقليدي للرعب وهو نوع قد تطرّق إليه مسلسل واندا فيجن من وقت لآخر لكن عالم مارفل السينمائي لم يلتزم به تمامًا، فالحمل، الولادة، تربية الأطفال تعتبر أمور مُحمّسة وتشكّل منطقة غنية بالمواضيع.

وبشكل حاسم، الماضي الذي أعادت واندا إنشائه لا ينتمي إليها، بل هو مظهر قديم الطراز للأدوار القائمة على الجنسين والمنقولة بواسطة المسلسلات الكوميدية الأمريكية التي اعتادت واندا مشاهدتهم في فترة شبابها الممزقة من قِبل الحرب، ولا شك أن هذه الرغبة لا تُعد غريبة حتى بالنسبة للأشخاص الذين لم يختبروا يأسًا كالذي اختبرته الأرملة الجديدة. فالحقيقة أن الحياة الواقعية معقدة ومليئة بالغموض والقرارات الصعبة، فأي امرأة عصرية يمكن أن تُلام بسبب رغبتها بالرجوع لتأدية دور مكتوب مسبقًا ومستقر في فقاعة كبيرة؟

ومن ذلك، يبدو من الملائم أن عالم واندا الوهمي يصبح أقل قابلية للاحتفاظ به كلما اقتربت اللقطات المرجعية من المسلسلات الكوميدية إلى القرن الواحد والعشرين. وخلال الوقت الذي تبذل فيه الممثلة إليزابيث أولسن أفضل ما لديها، صرّحت جولي بوين: “واندا في حالة من الفوضى وغير قادرة على أن تفعل أكثر من البقاء في السرير والاختباء من الواقع، كما يجب ذكر: أن واندا ساحرة وأن ممارسة السحر تبدو ممتعة جدًا”. أيضاً، نجد أنه بمجرد أن تخلّت أغاثا عن تمثيل دور الجارة الفضولية كاشفةً طبيعتها الحقيقية تظهر بعض التلميحات حول الأجزاء الأكثر رمزية ذات الصلة بقصتها الأصلية (هنا تشبه أغاثا الدبابات والأسلحة النارية بالعصي والأدوات الزراعية كأدوات تستخدم لإخراج الرجال مخاوفهم تجاه النساء ذات القوى الخارقة).

وعمومًا، إن الهوية المكتشفة حديثًا لواندا والمعروفة بالساحرة الحمراء تفتح مجالًا كاملًا من الصور (كالرموز الرونية، محاكمات السحر القديمة، ملابس الساحرات) وهي أشياء بطبيعتها خاصة بالإناث وموجودة بشكل دائم في عالم مارفل السينمائي كإشارات تظهر أيضًا في اللقطات المرجعية.

إن الهوية المكتشفة حديثًا لواندا والمعروفة بالساحرة الحمراء تفتح مجالًا كاملًا من الصور.. وهي أشياء بطبيعتها خاصة بالإناث وموجودة بشكل دائم في عالم مارفل السينمائي

أما الإنترنت فقد كان مليء بالمناظرات التي تقول بوجود عمق مرئي في واندا فيجن أو انعدام وجوده، ليضيع في النقاش حقيقة أن المسلسل ليس عليه أن يكون نصًا للدراسات القائمة على النوع الإجتماعي ليغطي موضوع النقاش الممتد حول مجموعة الأبطال الخارقين والذي بقي بطريقة ما على حاله.

وتبعاً للحالات الغامضة الشاذة والبعثات العسكرية فيه، اكتسب واندا فيجن مقارنات مازحة وجدية في نفس الوقت مع فيلم إبادة/annihilation، وهو فيلم لأليكس غارلاند مقتبس من رواية تحمل الاسم نفسه صدر في عام 2018، ومن ناحية هذا الفيلم فهو أغرب بكثير وأكثر وحشية من واندا فيجن ويعتبر ذلك ببساطة أمر عجيب بالنظر إلى نماذج أعمال عالم مارفل السينمائي. ومع ذلك، يشارك واندا فيجن فيلم الإبادة أحد المتعات البسيطة: كونه عبارة عن نموذج من الترفيه الجمهوري الذي يركز على المرأة ليضيف عمقًا نتيجة لذلك، لكنه لا يتطلب أن يُفهم بشكل صريح على هذا النحو.

وفي النهاية، يتضح الغرض الحقيقي من توسيع مجموعة الأعمال الفنية من الأفلام والمسلسلات التابعة للإمتياز التجاري لعالم مارفل السينمائي، حيث أنه بمجرد أن تنتهي شركة كبيرة وناجحة مثل مارفل بالإعلان بشكل صاخب عن نيتها لتكون شاملة يمكن أن يصبح ذلك بالفعل مثيرًا للإهتمام.


مرح شباط

التاريخ: 23 مارس 2021










الرابط المختصر: