عن المعارك والدموع في صناعة الموسم الثالث من سلسلة “American Crime Story”

قصة جريمة أمريكية

يعيد أخر جزء من مختارات رايان مورفي على إف أكس صياغة فضيحة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون من وجهة نظر النساء اللاتي عايشنها بمن فيهّن المنتجة مونيكا لوينسكي: “على الرغم من صعوبة الأمر بالنسبة لنا، كان الأمر أصعب بالنسبة إليها”.

عندما تسربت أول كلمة عن أن مورفي سيركز في الجزء القادم من قصة جريمة أمريكية/American Crime Story الذي يحمل عنوان العزل/Impeachment على الأحداث التي أدت إلى عزل الرئيس كلينتون، لم تستطع مونيكا لوينسكي إلا أن تشعر بالذعر، بحسب تقرير الكاتبة لاسي روز في مجلة هوليوود ريبورتر الأمريكية الذي نُشر بالتزامن مع انطلاق عرض الموسم الأول في سبتمبر/أيلول الماضي.

كان ذلك في أوائل عام 2017، حين عادت المتدربة السابقة في البيت الأبيض – التي تحولت لاحقًا إلى عشيقة كلينتون – لسرد روايتها؛ مهمة شاقة بدأتها بجدية في برنامج  للدعم “تيد توك” ومقال في فانيتي فير، وعلى الرغم من أنها تابعت بشغف الموسم الأول من سلسلة الجريمة الأمريكية على إف إكس، والتي أعادت في موسمها الأول الشعب ضد سيمبسون/The People v. O.J. Simpson صياغة محاكمة أو. جي. سيمبسون لم تكن على ثقة من رغبتها في إعادة النظر في ماضيها؛ وفي الحقيقة، لا يمكن لأحد أن يلومها،  كانت تبلغ من العمر 22 عامًا فقط عندما دخلت في علاقة سرية، والتي انتهت بأنها دمرت من مسيرتها الشخصية  مع الرئيس الذي كان يكبرها بـ27 عامًا، وأكثر منها نفوذاً بشكل غير محدود.

يعيد أخر جزء من مختارات رايان مورفي على إف أكس صياغة فضيحة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون من وجهة نظر النساء اللاتي عايشنها بمن فيهّن المنتجة مونيكا لوينسكي

في مقابلة عبر تطبيق زووم تقول لوينسكي: “تذهب إلى فراشك ذات ليلة كشخص عادي، وفي اليوم التالي تكون شخصية عامة يكرهها العالم بأسره، قد تذهب إلى السجن وأنت على وشك الإفلاس (مع) عائلتك”، ثم تضيف: “كوني لم أكن محط الأنظار في نشرات الأخبار كل ليلة لمدة 20 عامًا كما كنت في عام 1998، فإن هذا لا يعني أن القصة انتهت، بعد مرور 10 سنوات، كنت لا زلت غير قادرة على الحصول على وظيفة.. ولم أستطع إعالة نفسي “.

بمرور الوقت، وبزيارة واحدة على الأقل، وعدة مكالمات هاتفية وعشاء في مانهاتن، دفع مورفي لوينسكي كي تعيد النظر في سرد قصتها، وأصر على أن المسلسل سيعيد صياغة ملحمة أواخر التسعينيات من وجهة نظر النساء اللاتي شاركنّ فيها. سيجعلها منتجة أيضًا، ويضعها في صورة الإعداد والنصوص وأي شيء آخر يجعلها تشعر بالقوة لتشارك في العمل؛ كما تعهد مورفي بعدم المضي قدمًا ما لم تكن لوينسكي على رأس العمل؛ بالطبع، وبمجرد أن وافقت، استطاع اختيار فريق التمثيل، بدءًا من بياني فيلدشتاين (تؤدي دور مونيكا لوينسكي)، سارة بولسون (تؤدي دور ليندا تريب)، وصولًا إلى كليف أوين ( يؤدي دور بيل كلينتون)، وإيدي فالكو (تؤدي دور هيلاري كلينتون).

سيحاول الموسم الثالث من “قصة جريمة أمريكية” المعنون بـ”العزل” الذي بدأ عرضه في السابع من سبتمبر/أيلول الماضي أن يظهر كيف فقدت لوينسكي وآخرون ممن كانوا على هامش السلطة السيطرة بالكامل على قدرتهم على سرد روايتهم، ولاحقًا على هوياتهم أيضًا؛ وعلى الرغم من أن لديها بعض التدخلات بشأن ما ذكر و ماتم تجاهله، إلا أنها كانت سعيدة حقًا بما يحدث، وهذا لا يعني أن الخوف قد انتهى عند لوينسكي.

لقد كانت مشاهدة فريق التمثيل الذي يعيد تمثيل أسوأ فترة في حياتها أمرًا مثيرًا للغاية، لدرجة أنها ببساطة فقط وظفت معالجًا نفسيًا للجلوس إلى جانبها أثناء جلساتها عبر تطبيق زووم بينما كانت  تقوم بتدوين ملاحظاتها عن المسلسل، وذلك حتى لا تكون لوحدها “لأنه (أمر) صعب”، وفقًا للوينسكي التي تضيف: “إنه أمر صعب حقًا، خاصة مع الترخيص الدرامي الذي يجب الحصول عليه…”.

الموسم الأول من قصة جريمة أمريكية الفائز بجائزة إيمي لعام 2016 المعنون بـ”الشعب ضد سيمبسون”، كان لا يزال قيد الانتاج عندما كان منتجاه نينا جاكوبسون وبراد سيمبسون مفتونين بقصة عزل كلينتون على اعتبار أنه المقترح التالي المحتمل؛ يقول سيمبسون: “تحتوي (مساءلة كلينتون) على كل السمات المميزة لقصة الجريمة”، ويتابع مضيفًا: “فضيحة وطنية تعتقد أنك تعرف كل شيء عنها ولكنك في الواقع لا تعرف عنها شيئًا.. مجموعة كبيرة من الشخصيات تشكل لوحة كبيرة على طراز المخرج روبرت ألتمان؛ حتى أمريكا مشتركة في هذه الجريمة أيضًا”، وما سيزيد “المساءلة” قوة وقدرة على الإقناع هو الاعتماد على كتاب آخر لجيفري توبين كمصدر للموسم الثالث، كما فعلوا في الموسم الأول مع قصة أو. جي. سيمبسون.

إن تحديد ما ستؤول إليه الأمور، وكيف بالضبط، سوف تتعامل عائلة كلينتون مع الأمر، سوف يستغرق سنوات، ستكون هناك بعض المعوقات في البداية، إذ أنه وفقًا لما توضح المنتجة جاكوبسون: “عليك أن تتذكر، أننا عندما بدأنا العمل على هذا الأمر، اعتقدنا أن هيلاري (كلينتون) ستكون رئيسة”، لكنها تصر على أنهم كانوا مستعدين للمضي قدمًا بغض النظر، وتضيف هنا قائلة: “أعني.. كنا.. من كان يعرف من كان سيصبح رئيسًا”. في وقت من الأوقات كانت هناك نقاشات حول عدم إظهار بيل كلينتون أبدًا، والاعتماد بدلًا من ذلك على افتراض أنه كان دائمًا خارج الإطار، تم إلغاء هذه الفكرة، إضافة إلى عدد قليل من الأفكار الأخرى.

ويُذكر أن مورفي، الذي كان الأكثر استعدادًا من شركائه للتخلي عن الموضوع: “في كل مرة نحاول فيها الصعود إلى أعلى التل، يصبح أبعد” وفقًا لما تقول جاكوبسون؛ فقد كان مورفي في تلك الأيام منخرطًا أكثر في استثمار قصة أندرو كونانانون، القاتل المتسلسل في التسعينيات الذي قتل مصمم الأزياء جياني فيرساتشي، والقصة التي رواها عن رهاب المثلية في تلك الفترة، وبإلحاح من مورفي، نفذوا الموسم الثاني عن كونانانون أولًا؛ وبعد فترة وجيزة من ظهوره لأول مرة ودخول قصة سيمبسون في دائرة الجوائز، وقع مورفي صفقة شاملة مع نتفليكس، وظل في الخفاء على الأقل لبعض الوقت، ومع ذلك واصل الفريق ورشة عمل على موضوعات أخرى محتملة، من إعصار كاترينا إلى قصص المافيا في السبعينيات، ولكن لم يُنفذ أي منهما، وطوال الوقت، رفض المنتج براد سيمبسون، على وجه الخصوص ترك قضية مساءلة كلينتون تذهب.

ثم جاء موعد تصفية الحساب على المستوى الثقافي، والذي حفزته حركة “أنا أيضًا” المناهضة للتحرش الجنسي، فقد تمت صياغة قضية العزل بشكل مخطط من منظور ثلاث نساء – في هذه الحالة، لوينسكي، تريب، وبولا جونز (تؤدي دورها أنالي أشفورد) – بشكل جعلهن يشعرن بالحماس، وفي الوقت المناسب كان جون لاندغراف رئيس مجلس إدارة شركة إف إكس حاضرًا.

يقول لاندغراف حول الموسم الثالث من “قصة جريمة أمريكية” إنه: “لم نشهد مطلقًا فيلمًا سياسيًا مثيرًا يركز على أولئك (الأشخاص) الذين ليس لديهم سلطة سياسية، والقيام بذلك سيكون نوعًا من التحول الجذري في المنظور الذي تمثله قصة جريمة أمريكية”، خلال تلك الفترة كانوا بحاجة إلى كاتبة، وكانت سارة بورغس، الكاتبة المسرحية الشابة التي التقى بها سيمبسون قبل بضع سنوات، والتي كانت مطلوبة جدًا، فجأة أصبحت متفرغة، كانت لا تزال في نيويورك، تدواي قلبها المكسور بعد تجربة تلفزيونية فاشلة ومسرحية لم تنجح في إنجازها، عندها وصلت رسالة من سيمبسون إلى صندوق الوارد الخاص بها، كان محتوى الرسالة سطرًا واحدًا وببساطة هو: “مونيكا”.

لقد كانت مشاهدة مونيكا لوينسكي لفريق التمثيل الذي يعيد تمثيل أسوأ فترة في حياتها أمرًا مثيرًا للغاية، لدرجة أنها ببساطة فقط وظفت معالجًا نفسيًا للجلوس إلى جانبها أثناء جلساتها عبر تطبيق زووم

لكن بورغس لم تكن مقتنعة في البداية بأنها كانت مناسبة للمشروع، ليس فقط لأن الجزء الأول من “قصة جريمة أمريكية” كان أحد أفضل المواسم التلفزيونية التي شاهَدتها على الإطلاق منذ زمن طويل، بل إن عدم إلمامها النسبي بواحدة من أهم القصص السياسية والثقافية في القرن الـ20 هو ما جعلها تتردد، فقد كانت تبلغ من العمر 14 عامًا فقط عندما تم عزل كلينتون، وعلى الرغم من نشأتها في مكان قريب للعاصمة، لم تكن مهتمة بالملحمة المتمثلة بقضية التحرش الجنسي التي رفعتها جونز ضد الرئيس أو التسجيلات السرية التي أجرتها تريب لمحادثاتها مع لوينسكي؛ وبدأت بورغس بإلحاح من سيمبسون بقراءة مجموعة محددة من الكتب والمقالات، وسرعان ما دخلت في عالم خاص مزودة بالتسجيلات، ورسائل البريد الإلكتروني، والمقابلات التي أجريت مع مكتب التحقيقات الفيدرالي.

تقول بورغس معلقة على قبولها كتابة الموسم الثالث بعد استضافتها لتريب ولوينسكي: “عندها أدركت أنها حقًا كانت قصة عن هذا النوع من السيدات الموظفات غير المرئيات اللاتي يمشينّ بين مكاتبهنّ لرؤية الشخص الذي يهم حقًا”، إذ كانت تريب ولوينسكي مبعدتين عن البيت الأبيض، وأيضًا كموظفتين في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، حيث عملت والدة بورغس ذات مرة.

وتتابع بورغس حديثها مضيفة: “ثم بدأت في الكتابة بهذا الصوت المرتفع، وأصبح الأمر طبيعيًا”، بحلول الوقت الذي حدَدته للحلقات الأولى، وبمساعدة ورشة كتابة صغيرة معظم المشاركين فيها من النساء، والدعم الكبير المقدم من سيمبسون وجاكوبسون، نجح مورفي في استمالة لوينسكي في أواخر صيف عام 2019، وهكذا جلست بورغس وجهًا لوجه مع شخصيتها الرئيسية لأول مرة، تقول موضحة شعورها خلال لقائها لوينسكي لأول مرة: “لم أكن أكثر توترًا لمقابلة أي شخص في حياتي كلها كهذه المرة”.

كان مورفي قد قرأ 30 صفحة فقط من المسودة التي أعدتها بورغس عندما أمسك بهاتفه وأرسل رسالة نصية إلى بولسون، أخبر مُلهمته التي قرأت على الفور النص الذي قرأه مورفي  ووافقت عليه بدون تردد: “كان نص قصة جريمة أمريكية رائعًا”، ثم سلمته إلى شريكتها، هولند تايلور التي قرأته وكان رد فعلها مثل بولسون: “خلعت نظارتها وقالت: أعتقد إن هذا قد يكون أفضل نص قرأته على الإطلاق”، كما تذكر بولسون.

عند توقف المشروع في المرة الأولى، طرح مورفي فكرة أن تلعب بولسون دور تريب، لكن الممثلة لم تكن حتى ذلك الحين مقتنعة أو على الأقل لم تكن متحمسة، تشير بولسون إلى ذلك قائلة: “كان لدي أرائي الخاصة حول من تكون ليندا (تريب)، وفكرت، ما الذي يمكن أن يكون مثيرًا للاهتمام بشأن الغوص في تلك القصة وتلك المرأة؟”، بحلول أوائل عام 2020 قبل أن يؤدي وباء كوفيد-19 العالمي إلى تأجيل بدء العمل عن تاريخ الإنتاج الأول، كانت بولسون قد أتقنت صوت تريب، وبإشراف طبي، أضافت 30 رطلًا (15 كغ) للشخصية، كما اعتمدت على حشوة إضافية لأكتافها وزوائد اصطناعية لأنفها، وعملت عن كثب مع مدرب للحركة لإكمال التحول الذي من شأنه أن يضع بولسون مباشرة في سباق جوائز العام المقبل.

كانت فيلدشتاين هي الشخصية التالية التي اختارها مورفي، والممثلة الوحيدة التي اعتبرها قادرة على لعب دور لوينسكي؛ ولكن ما لم يكن يعرفه عندما ذهب لمقابلتها في لندن، حيث كانت تقيم مع شريكتها، هو أن فيلدشتاين سمّت للتو لوينسكي عندما سُئلت في مقابلة عن الشخص الحقيقي الذي تحب أن تلعب دوره يومًا ما؛ أما  الآن وقد أصبح ذلك حقيقة واقعة، فإن مجرد شعر مستعار وبعض الملابس الداخلية، لا يجعلها قادرة على الدخول في الشخصية بالسرعة الكافية. لقد كان نوعًا من الأدوار مختلفًا عن دور الممثلة – الدرامي الجنساني – مما يجعل هذا الدور أكثر إغراءًا. رأتها لوينسكي في فيلمها الأخير وتقول إنها كانت تذكرها بنفسها وهي تشاهد الفيلم: “يا إلهي، إنها تذكرني بنفسي في تلك السن”.

قبل فترة طويلة، كانت فيلدشتاين بالكاد قد بلغت سن الفطام عندما تورطت لوينسكي في فضيحتها، غرقت في بحث عميق عن لوينسكي، وعلى عكس النجمات والنجوم المشاركين هي من هوليوود التي تضم أيضًا بيلي إيشنر (يؤدي دور مات دراج)، كوبي سمولدرز ( تؤدي دور آن كولتر)، ومارجو مارتنديل (لوسيان جولدبغ)، كان لدى فيلدشتاين تصوراتها الخاصة التي اعتمدت عليها كمصدر للشخصية.

التقت لوينسكي وفيلدشتاين لأول مرة في مارس 2020 في شقة لوينسكي في مدينة نيويورك ، حيث عثرتا على النقاط التي تربطهما ببعضهما، ومنها حبهن للموسيقى وتربيتهما اليهودية في لوس أنجلوس، وقامتا بالكثير من الاجتماعات عبر تطبيق زووم، وخلال عام ونصف تبادلتا العشرات من الرسائل النصية ومقاطع الفيديو، عارض منتجو المسلسل مثل هذه الديناميكية في العلاقة؛ في الواقع، وبدءًا من الموسم الأول، قاموا بثني طاقم التمثيل بشدة عن التواصل مع الأشخاص الذين سيقومون بتأدية أدوارهم، على الأقل ليس في وقت مبكر من عمليات التصوير حيث لا يزال من الممكن أن يتأثر أدائهم.

وعلى كل حال، كان طاقم الإنتاج مصرًا على أن مشاركة لوينسكي لم تكن مهمة فحسب، بل كانت أيضًا قيمة مضافة ذات مغزى عميق، لا سيما لأنها كانت تخضع لأمر حظر النشر، وبالتالي كانت صامتة دائمًا خلال معظم الفترة التي كانت فيها تتابع تنفيذ المسلسل، كما أصروا على وجود احتياطات معينة في مكان التصوير. لم تكن لوينسكي أبدًا في موقع التصوير عندما كانت فيلدشتاين تصور مشاهدها، في الواقع لقد جاءت مرة واحدة فقط أثناء الإنتاج، في يوم مخصص لبولا جونز (تؤدي دورها آنالي أشفورد)، لأنه، كما تقول جاكوبسون: “كان ذلك أقل خطورة”.

شبّهت بياني فيلدشتاين نفسها في دور “لوينسكي” بالحارس الشخصي “الحمائي للغاية” اتجاه لوينسكي، كما تعاملت سارة بورغس أيضًا بنفس الطريقة اتجاه لوينسكي عندما كتبت السيناريو

مع ذلك، شبّهت فيلدشتاين نفسها في هذا الدور بالحارس الشخصي “الحمائي للغاية” اتجاه لوينسكي، وتقول في كثير من الأحيان “كان كل ما يهمني هو ما تؤمن به مونيكا”، تعاملت بورغس أيضًا بنفس الطريقة اتجاه لوينسكي، لدرجة أنها حذفت مشهدًا من نصها الأولي يسيء لسمعة لوينسكي ظهر في تقرير ستار، حيث تُظهر لوينسكي طرفًا من ملابسها الداخلية لكي يراه كلينتون، خوفًا وعلى حد تعبيرها: “أن تعود مونيكا لحالة الصدمة”.

ومن المفارقات الساخرة أن لوينسكي هي من قرأت هذا المشهد في المسودة في مكانها الأصلي وحاولت أن تقنع بورغس بإعادة النظر: “أسمعي، كنت أحب أن أكون أنانية حقًا”، وتضيف: “هذا رائع لأنكم تشعرون هكذا اتجاهي، أننا لسنا مضطرين لإظهار ذلك، لكنني أمتلك خبرة لا تصدق في فهم كيف يرى الناس هذه القصة”، بحسب ما تقول لوينسكي، التي اعترفت أيضًا بأنها ستُلام على غيابها عن موقع التصوير بغض النظر عن أن المسلسل كله يدور حولها، “لذا، في النهاية، شعرت بشيئين: الأول هو أنه لا يجب أن أتواجد لأنني المنتجة؛ وثانيًا لأنه كان من غير العادل للفريق وللمشروع لما سيجعل الجميع عرضة للخطر”.

في هذه المرحلة، أتيحت للوينسكي الفرصة للتمعن في كل مشهد من المسلسل، وهو ما فعلته في جلسات عاطفية للغاية في كثير من الأحيان عبر تطبيق زووم. كانت ملاحظاتها الأكثر شمولاً تدور دائمًا حول تلك المشاهد التي تم تصويرها فيها، وعادةً ما تركز على اللحظات التي تم اقتطاعها أو تأخيرها زمنيًا لأسباب درامية، وفي وقت مبكر زارت غرفة الكتاب لطرح أسئلة ميدانية: “إذا شعرت بالراحة مع المحيط، فلا مشكلة لدي في الحديث عن أي شيء” كما تقول لوينسكي، وتتابع مضيفة: “أدركت أيضًا أنه كلما تعمقت في البحث، زادت قيمة المشروع”.

ومن ثم عملت عن كثب مع بورغس لإضافة المزيد حول خلفيتها الشخصية، وبمساعدتها تحول إلى ما هو أكثر من مونولوجات تؤديها فيلدشتاين؛ كما اقترحت لوينسكي أيضًا تعديلات على اللغة التي يستخدمها كلينتون (جونز) وطلبت أن تكون معاملته معها لطيفة، والذي، مثل أي شخص آخر مشارك في المسلسل لم تتم استشارته. في الواقع الحالة الوحيدة التي لم تشعر فيها لوينسكي بالراحة هي عند تقديم الملاحظات عن اللحظات الأكثر حميمية بين بيل وهيلاري  لأنه كما تقول: “أسباب واضحة لا تعد ولا تحصى”.

لم يكن أي جزء من هذه العملية سهلًا، لا سيما تلك المشاهد التي تصور لوينسكي يتم تسجيلها ومراقبتها سرًا من قبل امرأة كانت تعتبرها صديقة مقربة، كان صعبًا عليها بشكل خاص أن تضطر إلى إعادة صياغتها. إضافة إلى أنها أصبحت قريبة من بولسون (تريب)، وهذا ما زاد الأمر تعقيدًا. يقول سيمبسون، الذي كان في ذات الخندق مع لوينسكي لمدة تقارب العامين حتى الآن: “لقد كان الأمر معقدًا حقًا”، وتابع: “أن تتحدث بحماس مع شخص حول ما يعتبر صدمة بالنسبة له وتحويله إلى منتج سردي، هذا لا يشبه أي شيء جربته من قبل”، ويكمل مضيفًا: “كان هناك معارك.. كان هناك دموع.. كان هناك لحظات من الفرح الغامر.. كل ذلك في سبيل أن تكون أصيلًا.. وأيضًا محاولة إعطاء وزن عادل لكل فرد في القصة.. وبقدر ما كان الأمر صعبًا بالنسبة لنا، كان الأمر أصعب بالنسبة إليها”.

بالنسبة لمشروع أثار ضجة كبيرة في هوليوود حتى الآن، كان هناك قلق ملموس عند اقتراب موعد عرضه على إف إكس، ومن المؤكد أن هذا طبيعي في بعض جوانبه، نظرًا لأيام التصوير الطويلة والمتعبة، مع وجود جائحة كوفيد 19 العالمية الذي جعلها أكثر قسوةً. ما كان من الممكن أن يكون خمسة أو ستة أشهر أصبح ضعف تلك المدة تقريبًا كما اجتاز المسلسل متاهة من التأخير المفاجئ وحتى التوقف عن العمل؛ يعترف مورفي الذي أخرج عدة حلقات: “لقد كان اختبارًا للقدرة على التحمل (بالنسبة) للجميع”. في مرحلة معينة.

يقول المشاركون إن التعقيدات أصبحت شبه كوميدية لكثرتها؛ لم يتمكنوا من إرسال كليف أوين إلى بلاده  لرؤية عائلته، وعندما ذهب لم يستطع العودة لاحقًا؛ ثم تعثرت بولسون وكسرت معصمها قبل أيام قليلة من تصويرها لحلقة “التسجيلات”، والتي تتمثل فيها الشخصية إلى حد كبير وهي تمسك الهاتف؛ تروي بولسون مازحة: “إن شبح تريب هو الذي ركلني من أعلى السلالم”، ومن ثم تضيف: “ظلوا يقولون، سنحصل فقط على يد ممثل بديل”، وقلت:” فوق جثتي.. ولكن على الرغم من كل العلاج الفيزيائي الذي كنت أقوم به، قلت: لا.. سألتقط الهاتف.. سأضغط على الأزرار.. وسأدخن السجائر.. وسأنفذ اللقطات القريبة.. عليكم فقط الانتظار”.

بعض القلق والانفعال في العمل كان يتمحور حول رد فعل آل كلينتون، وعلى الرغم من أن المشاهد التي تتعلق بأي منهما تم فحصها مرارًا وتكرارًا من قبل طاقم إنتاج المسلسل، فإنه حتى الآن لم يسمع أي شخص مشارك في المسلسل إنذارًا من معسكر كلينتون، والقليل منهم يتوقع ذلك. ولكن ليس هنالك إجماع، إذ “تحدث بيل وهيلاري وكتبوا كتبًا حول هذه الفترة من حياتهم، وأتيحت لهما الفرصة للتعبير بشكل كامل وشامل عن مشاعرهما” كما تقول دانا والدن، رئيسة قسم الترفيه في قناة والت ديزني، والتي تعتبر من معجبات هيلاري (كلينتون)، حيثُ نشرت عبر خدمة البث الأمريكية – المملوكة لديزني –فيلمها الوثائقي لعام 2020 الذي تطرقت فيه إلى الفضيحة، وهي تقول في هذا الجانب: “أعتقد أيضًا أن هذا أمر عادل ومن الصواب أن تكون هناك فرصة للنساء اللاتي شاركن في هذه الفضيحة، ويتمكنّ من قول الحقيقة من وجهة نظرهنّ بدءًا من مونيكا”.

في حين أن فالكو (تؤدي دور هيلاري كلينتون) بالكاد ظهرت في الحلقات الست الأولى من المسلسل، إلا أن أوين (كلينتون) كان له دور محوري في القصة، حتى لو لم يتناسب معها من وجهة نظره كممثل، وعلى الرغم من ذلك، جذبته السيناريوهات والتحدي، فقد قيل إنه كان لديه نصيبه من المخاوف بشأن تصوير دور الرئيس السابق: “أنا لا أشبهه.. أنا ممثل إنكليزي”، وفقًا لما يوضح أوين الذي اعتمد على مدرب لهجة، واستعان بأطراف اصطناعية، وحدد روتينًا ثابتًا للاستماع إلى خطابات كلينتون الأكثر شهرة أو قراءة سيرته بصوت عالٍ؛ بينما عمل سيمبسون على مدح أوين لمجرد قبوله هذا الدور، كما يوضح بقوله: “ها هو ممثل ذكر يشارك  في مسلسل إطاره الرئيسي من السيدات، وهذا ما جعل دوره مكثفًا ودقيقًا”، كما حرص أن يضيف: “هناك القليل من القبعات البيضاء في هذا الموسم، حيث يوجد الكثير من الناس في هذا العالم الرمادي والغامض أخلاقيًا”.

بعض القلق والانفعال في العمل كان يتمحور حول رد فعل آل كلينتون على الرغم من أن المشاهد التي تتعلق بأي منهما تم فحصها مرارًا وتكرارًا من قبل طاقم إنتاج المسلسل

هناك أيضًا حالة من عدم اليقين بشأن واقع البث التلفزيوني المتغير بشكل سريع، حيث يُعد طرح مسلسل مرموق بمعدل حلقة واحدة أسبوعيًا على شبكة كيبل تقليدية اقتراحًا محفوفًا بالمخاطر، وهو ما يتوافق مع اعتراف لاندغراف الذي يقول: “أنا لا أتذكر المرة الأخيرة التي كان هناك فيها مسلسل أكثر لمعانًا كتب وعرض على قناة بث تدفقي”، وعلى الرغم من أن لاندغراف لم يتمكن من وضع هذه الجوهرة الدرامية على خدمة هولو الأمريكية، فإنه في مقابل ذلك أبرم صفقة مع نتفليكس من أجل بث الموسم الثالث من “قصة جريمة أمريكية” في عام 2022، ويعلق على ذلك قائلًا: “لا أعرف ما إذا كانت القنوات ستبقى موجودة حتى ذلك الحين لتحفيز اهتمام الناس.. لكننا سنكتشف ذلك”، علمًا أن الموسم الثالث متاح للمشاهدة عبر شبكة أوربت شوتايم (OSN) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لا ينبغي الخلط بين مخاوف لاندغراف بشأن شكل بث المسلسل والحماس الذي لديه بشأن الامتياز والحقوق، وهو الذي جهَز نفسه بالفعل لدفع المزيد من الأقساط المالية، بما في ذلك واحدة تتمحور حول استديو 54؛ وإذا تمكنوا من معرفة كيفية القيام بذلك العمل على وجه التحديد، فإن مورفي سوف يحب أن يرى عملًا عن صناعة الأدوية أيضًا. في الواقع، وفي وقت سابق من شهر أغسطس/آب الماضي، طلب عرضين إضافيين هما قصة حب أمريكية، وقصة رياضة أمريكية، من خلال مكان عمله السابق في استديوهات فوكس للقرن الـ20، وهو ما أدى إلى مزيد من التكهنات بأن مورفي قد يعود إلى ما أصبح يسمى الآن ديزني، وذلك عندما تنتهي صفقته مع نتفليكس بعد عدة سنوات، ولعل والدن لن تحب شيئًا أكثر من تلك العودة، وهي التي تعتبر استديوهات فوكس للقرن الـ20 ملعبها، وتعتبر مورفي من بين أقرب أصدقائها ، تقول حول ذلك: “لا أعتقد إنني يجب أن أكون خجولة  بشأن حقيقة أن حلمي هو عودة رايان مورفي للعمل معنا في استديوهاتنا”، وتتابع مضيفة: “آمل أن تكون هذه فرصتنا، وأقول هذا بدون أي ازدراء لمنافسينا.. أعتقد أنهم كانوا مبدعين في اختياره”.

يركز مورفي في الوقت الحالي مع اقتراب السلسلة من نقطة النهاية على الحفاظ على شعور لوينسكي بالإيجابية، وهو يقول حول ذلك: “كان شعاري لمونيكا فقط تمالكي نفسك”، ويبدو واثقًا من أن المشاهدين سوف يرونها بشكل مختلف بمجرد الانتهاء من بث الحلقات العشر جميعها، الأمر الذي تأمل لوينسكي أن يحدث أيضًا، رغم أنها تصر على أنه ليس دافعها الوحيد، وفقًا لما تقول: “بالطبع لدي عدد من الأسباب الأنانية التي تدفعني للمشاركة بهذا العمل، لكن الهدف الأكبر بالنسبة لي هو ألا يحدث هذا أبدًا لشابة آخرى”؛ وعلى الرغم من أن لوينسكي لا تزال تحاول التصالح مع هذه القضية، إلا أنها الآن أكثر استعدادًا لتسليط الضوء بشكل أكبر عما كانت عليه قبل أكثر من عقدين، ومع ذلك، وقبل وقت قصير من نشر المقطع التشويقي الأول، قالت: “أنا متوترة من أن يساء فهمي مرة أخرى”.


فريق الترجمة

التاريخ: 9 نوفمبر 2021










الرابط المختصر: