خيال عالم مارفل يقترب من الواقع في “الفالكون وجندي الشتاء”

أنتوني ماكي وسيباستيان ستان

تنبيه: المقال يحتوي على حرق كامل أحداث مسلسل الفالكون وجندي الشتاء/ The Falcon and the Winter Soldier  وفيلم المنتقمون: نهاية اللعبة/ Avengers: End Game

حسّن مسلسل الفالكون وجندي الشتاء عالمه بنوع من الواقعية، تلك الواقعية التي عادةً ما قاومها عالم مارفل السينمائي أثناء إنتاجه لأعماله السابقة، ويتجلى هذا التحسّن بعد ستة أشهر من عودة نصف الجنس البشري إلى الوجود حيث تخيّل العرض بشكل واقعي ما قد تكون عليه بعض العواقب العاطفية والجيوسياسية لإعادة هذا العدد من البشر أي عودة التعداد السكاني كما كان قبل الإختفاء، وذلك وفقًا لمراجعة الكاتبة المتخصصة بالشأن الثقافي صوفي جيلبرت المنشورة في مجلة ذا أتلانتيك الأمريكية.

إذ أنه، بينما تناول فيلم المنتقمون: نهاية اللعبة فرح معظم الناس بعودة هؤلاء الأشخاص، فإن مسلسل الفالكون وجندي الشتاء اقترب من أحداث تهجير عدد كبير من السكان مرة أخرى من المنازل والدول التي أعطيت لهم فجأة عندما كان كوكب الأرض أقل ازدحامًا، مما يدفع سام ليقول لزميله جواكين توريز: “صدقني في كل مرة يتحسن بها الوضع لمجموعة ما يسوء لمجموعة أخرى”، وذلك أثناء نقاشهم حول أصل وجود مجموعة “محطمي الأعلام”، وهي مجموعة معارضة لكل من بناء الحدود الدولية وإعادة التوطين القسري للاجئين الذي بدأ بعد عكس مافعله ثانوس من تقليص أعداد البشر.

والحقيقة أن المشكلات الفعلية لا تؤخذ دائمًا في الحسبان في عالم مارفل، فعلى سبيل المثال كيف رأت واندا ماكسيموف في مسلسل واندافيجن/ WandaVision خلال نشأتها الكثير من المسلسلات الكوميدية تحت الستار الحديدي في سوكوفيا (أي تحت سياسة العزلة التي انتهجها الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية)، ونتيجة لهذا السؤال وضع ديفيد سيمز، وهو كاتب متخصص بالشأن الثقافي في مجلة ذا أتلانتيك، نظرية للإجابة عنه تفيد أن واندا شاهدت الكثير مما يعرض على شبكة نيك أت نايت في مقر المنتقمين والذي تبين أنه صحيح جزئيًا، وبشكل خاص لطالما أهُملت قضية الجهة التي تدفع مالًا للمنتقمين.

بينما تناول فيلم المنتقمون: نهاية اللعبة فرح معظم الناس بعودة هؤلاء الأشخاص، فإن مسلسل الفالكون وجندي الشتاء اقترب من أحداث تهجير عدد كبير من السكان مرة أخرى

فقد كان هناك إدراك ضمني لدى الجماهير بأن توني ستارك لديه الكثير من المال، وأن الميزانيات العسكرية الهائلة تعوّض ما تبقى، لكن الحال مع سام أحد أعضاء المنتقمين الذي تركت أخته لتعيل عائلتها لوحدها خلال السنوات الخمس التي رحل فيها، وهنا يقدّم المسلسل بعض الواقعية القاسية إذ لا يكفي الأمر أن المنتقمين لا يحصلون على أجور، بل يمتد ذلك أيضًا إلى أنه إذا كان أحدهم من أصحاب البشرة السوداء، ولديه فراغ لخمس سنوات ضمن تاريخه الائتماني لن يحظى بقروض بنكية مهما كان عدد الصور التي يلتقطها مدير البنك معه.

أما من ناحية الواقع العنصري عَرِف هذا العرض دائمًا مايريد أن يقوله بدءًا من الحلقة الأولى التي يظهر بها مدير البنك محاولًا تحديد المكان الذي يعرف منه هذا الرجل المشهور تلفزيونيًا ذو البشرة السوداء سائلًا: “هل كنت تلعب في فريق كرة القدم الأمريكي؟”، وهذا أمر مقصود هنا لإيصال الصورة النمطية لذوي البشرة السوداء داخل أمريكا حيث كان تخمينه الأول نمطيًا فهو لم يتعّرف عليه كأحد أفراد فريق المنتقمين على الرغم من شهرتهم واسعة النطاق، وقد تصارع الفالكون وجندي الشتاء مع فكرة تتلخص في سؤالين أولهما “لمن الأبطال الخارقين؟”، وثانيهما “هل يمكن أن يطالب شخص قد رفضته دولته باستمرار عبر التاريخ برمز قومي؟”.

واجه سام في الحلقات الأولى بشكل متكرر استصغار بلاده له، حيث أولًا رُفض طلب منحه القرض، وثانيًا استولت الحكومة الأمريكية على هدية الدرع من كابتن أمريكا له دون سابق إنذار، وفي المقابل أعطيت لرجل أبيض يدعى جون واكر (يؤديه الممثل وايت راسل)، أما ثالثًا فقد أُخبِرَ سام أنه كان هنالك بالفعل جندي خارق من أصحاب البشرة السوداء دون أن يفكر أحد في إخباره عن وجوده، هذه الشخصية الخارقة باسم آيزيا برادلي (يؤديه الممثل كارل لامبلي) سُحِب من سلسلة القصص المصورة “الحقيقية: أحمر، أبيض، أسود”، وهي سلسلة رائدة من سبعة إصدارات للكاتب روبرت موراليس.

والجدير بالذكر أن هذه الشخصية مستوحاة بشكل جزئي من تجربة توسكيجي للزهري التي حدثت في الواقع، وهي تجربة سريرية أُقيمت ما بين عامي 1932 – 1972 عبر خدمة الصحة العامة الأمريكية لدراسة التطور الطبيعي لحالات الزهري غير المعالج في الرجال ذوي البشرة السوداء، وقد أُخبروا أنهم كانوا يتلقون رعاية صحية مجانية من الحكومة الأمريكية.

في قصة المسلسل أجرت الولايات المتحدة الأمريكية تجارب على 300 جندي من ذوي البشرة السوداء خلال الحرب العالمية الثانية بهدف تشكيل مجموعة جنود خارقين، نجا واحد منهم فقط وذلك الشخص هو آيزيا، وكما يقول آيزيا لسام إنه سجن بسبب ما أثاره من متاعب، كما أن الرسائل التي أرسلتها زوجته له أُخفيت لعقود عنه إلى أن ساعدته إحدى الممرضات بالهروب، وفي آخر حلقة يقول آيزيا لسام: “لن يسمحوا أبدًا لرجل أسود أن يكون كابتن أميركا”، مضيفًا في المقطع الختامي: “لا ينبغي لأي رجل أسود يحترم نفسه أن يرغب في هذا المنصب”.

استطاع كيفن فيج تحويل عقود من الجدالات المتعبة حول إرث الشخصيات البيضاء المشهورة لنرى سام ويلسون رجل ذو بشرة سوداء اعتبر أخيرًا كشخص “يستحق” أن يحمل لقب كابتن أمريكا

هذا العمل الذي انشأه مالكوم سبيلمان يُعتبر أحد المسلسلات الرئيسية المُعدّة لتوسيع شخصيات وقصص عالم مارفل السينمائي من خلال الأعمال التلفزيونية لصالح منصة ديزني بلس، إذ أن الثنائي المؤلف في المسلسل يجمع اثنين من أصحاب كابتن أمريكا الأول ستيف روجرز الذين ظهروا ضمن أفلامه السابقة، أحدهما عيّنه ستيف (يؤديه الممثل كريس إيفانز) خليفة له من أجل أن يصبح كابتن أمريكا اللاحق، وذلك في نهاية فيلم المنتقمون: نهاية اللعبة، وفي نفس الوقت يقدّم مسلسل الفالكون وجندي الشتاء أيضًا فرصة لرؤية ما يمكن أن يأتي في المرحلة التالية لقصص عالم مارفل بالإضافة لعرضه مدى تقدّم الأمور.

وقبل ست سنوات فقط كان عالم مارفل السينمائي تحت إشراف إسحاق بيرلموتر، وهو الرئيس التنفيذي السابق لشركة مارفل، والمعروف بمماطلة إنتاج فيلمي النمر الأسود/ Black Panthe وكابتن  مارفل/ Captain Marvel وذلك لأنه لم يعتقد أن الأفلام التي تصنع ربحًا وتجذب الجماهير تدور حول أنثى وشخصية تملك بشرة سوداء، بالإضافة إلى أن بيرلموتر يعرف أيضًا بتقليص إنتاج السلع الترويجية لفيلم الأرملة السوداء/ Black Widow لعام 2015  لأنه لا يجد أن الفتيات لديهنّ اهتمام بالأبطال الخارقين، وأيضًا من أجل التبرع بمبلغ قدره 360.600 دولار لصالح “لجنة ترامب للنصر” التي تموّل جهود إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لولاية ثانية في عام 2019.

وبناءً على ذلك شنَّ كيفن فيج في عام 2015 تمردًا لانتشال عالم مارفل السينمائي من تأثير بيرلموتر، وانتهى هذا التمرد بفوزه، ومن إحدى نتائجه إنشاء هذا المسلسل الذي استطاع تحويل عقود من الجدالات المتعبة حول إرث الشخصيات البيضاء المشهورة لنرى سام ويلسون رجل ذو بشرة سوداء اعتبر أخيرًا كشخص “يستحق” أن يحمل لقب كابتن أمريكا، أضف إلى أنه أعطي المجال أيضًا ليسأل على مدى ست حلقات ما إذا كان دور كابتن أمريكا يليق به باعتباره شخص مختلف شكليًا عن الرمز الوطني الأمريكي المعتاد، لذلك لم يبحث مسلسل الفالكون وجندي الشتاء فقط عما يعنيه أن يرث رجل ذو بشرة سوداء الدرع المشهور لكابتن أميركا لكنه سبر أيضًا لمعرفة ما إذا كان الدرع يناسب سام.

وفي الحقيقة يجب على أفضل الأعمال التلفزيونية أن تمتلك تصورًا لما ينبغي أن تكون عليه، لكن مسلسل الفالكون وجندي الشتاء بدا بشكل كبير بمثابة تدريب من قِبل مارفل لتجربة العديد من الأمور بدلًا من أن يتضمن هذا العمل إدراكًا كاملًا لما يملكه من مميزات، ومع هذا تم الاقتراب والابتعاد عن المزيج التمثيلي المتناغم بين شخصيتي سام ويلسون (يؤديه الممثل أنتوني ماكي) وباكي بارنز (يؤديه الممثل سيباستيان ستان) خلال الستة أسابيع الماضية سواءً في المشهد الفكاهي لإيقاف عملية السطو لمجموعة “محطمي الأعلام”، أو في جلسات علاج الصدمة والحزن، وكذلك خلال الأحداث الاجتماعية المؤثرة والمشهد المصوّر داخل النادي الليلي المتوهج على الدول الجزرية الغامضة.

فقد سافروا معًا (ويلسون وبارنز) من مكاتب العلاج النفسي إلى فروع البنوك، وبعدها من مخيمات اللاجئين وصولًا إلى ملاجئ تُقدّر بمليارات الدولارات في لاتفيا، أيضًا كان هنالك مقطع ممتد يبعث شعورًا جيدًا يمكن وصفه بـ”عملية التغيير الجذري لشكل القارب”، بالتالي مهما كان ذوقك كمشاهد كان هناك على الأغلب شيء واحد قد وجدته ممتع حتى لو لم تستمر هذه المتعة لفترة طويلة.

لكن أي شخص شاهد الفالكون وجندي الشتاء ربما تساءل حول قرار قبول سام في النهاية الدور المهم لكابتن أمريكا خلال أحداث الحلقة الأخيرة، ففي نهاية فيلم المنتقمون: نهاية اللعبة مرر ستيف درعه إلى سام، وهو تسليم رمزي لإرث كابتن أميركا وقد بدا تسليمًا غير مريح لمتلقيه منذ البداية، حيث علّق سام حول الدرع قائلًا: “أشعر إنه ينتمي لشخص آخر”، وهو تعبير ترجم بسهولة في ذلك الوقت على أنه توتر بسيط لكنه خلال المسلسل تجلّى أنه يعبر عن شيء آخر.

الصحيح أن أمريكا لديها إخفاقاتها الفادحة، وكذلك مارفل، ويمكن اعتبار شخصية ووايتواش – وهو أحد أعضاء المجموعة المعروفة بحراس الحرية – خير دليل على ذلك

وتبعًا لهذا ربما عانى هذا العمل في تحديد الانطباع الخاص به، وعوضًا عن ذلك اتجه نحو الاعتماد على المضامين النمطية الجامحة لمارفل، ونحو الإفراط في الصرف المالي للميزانية المخصصة له في سبيل حشو ساعات العرض الستة، لكن التزامه كان ثابتًا اتجاه الفكرة الرئيسية الهامة التي تربط الأبطال الأمريكيين والخطر الناجم عن “الاستثنائية”، أي خطر الفكر الاستثنائي الذي وجه جماعة “محطمي الأعلام” لخلق عالم واحد ومجتمع واحد.

الصحيح أن أمريكا لديها إخفاقاتها الفادحة، وكذلك مارفل، ويمكن اعتبار شخصية ووايتواش – وهو أحد أعضاء المجموعة المعروفة بحراس الحرية – خير دليل على ذلك، ومع هذا فإن قرار سام النهائي لم يكن مبني على تحليله المتبصر لما كانت عليه أمريكا ومازالت، فقد بُنيّ أكثر على استطلاع شخصي للكيفية التي من الممكن أن يغير بها سام الأمور، وعندما كتب تانيسيهي كوتس مقال نُشر في مجلة ذا أتلانتيك في عام 2018 يشرح به لماذا وافق على اتخاذ مسؤولية كتابة شخصية كابتن أمريكا لصالح قصص مارفل المصوّرة نوّه إلى صراعه الخاص مع ستيف كشخصية، ومع ولاءه الصلب للحلم الأمريكي كدافع، ليدوّن فيه “الكتابة بالنسبة لي تكمن في طرح الأسئلة وليس الأجوبة”، ويضيف أيضًا “تجسيد كابتن أمريكا لنوع من تفاؤل أبراهام لينكون يثير لدي سؤالًا مباشرًا: لماذا يؤمن أي شخص بالحلم؟”.

يبدو أن هذا يلخص سبب أخذ سام مسؤولية هذا العبء الثقيل المصاحب لكابتن أمريكا، أي أن الاثنين الكاتب تانيسيهي وسام قبِلا شخصية كابتن أميركا بهدف التغيير، على الرغم من أنه رمز وطني يرتدي علم البلاد التي خذلت طبيعتها الجيدة مرارًا وتكرارًا؛ وهنا يبدو أن التقدّم يصبح ممكنًا أكثر كلما كان مرئيًا، وكلما أصبح من المسموح إثارة أسئلة أكثر، وفي النهاية يخاطب سام السيناتور قائلًا: “في كل مرة ألتقط بها الدرع أعلم أن هناك الملايين من الناس في الخارج سوف يكرهونني لأجله، لكن القوة الوحيدة التي أملكها هي أنني أؤمن أننا يمكننا القيام بأفضل من ذلك”.


مرح شباط

التاريخ: 25 مايو 2021










الرابط المختصر: