القتال من أجل البقاء على قيد الحياة في “حب، موت وروبوتات”

حلقة ثلج من الموسم الثاني لمسلسل حب، موت وروبوتات

بعدد أقل عن الحلقات التي قدمت في الموسم الأول، عادت سلسلة الرسوم المتحركة حب، موت وروبوتات/ Love, Death & Robots إلى الجمهور مجددًا في موسم ثاني على منصة نتفليكس، بدون أن تضل طريقها عن حبكة الموسم الأول، في عالم متخيّل عن مستقبل البشرية مع التكنولوجيا، بعدد مكثف من الحلقات على الرغم من أن ظهور الموسم الثاني كان يحتاج لـ26 شهرًا.

صحيح أنه لا يمكن لسلسلة نتفلكيس التي تحاكي مستقبل البشرية أن تضاهي ما قدمته سلسلة الخيال العلمي مرايا سوداء/ Black Mirro بتوقعها مستقبلًا أكثر قتامة للبشرية من ناحية التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إلا أنها في قصصها الثمانية المخصصة للبالغين تحاول الكشف عن مصائر مختلفة للبشرية في علاقتها مع التكنولوجيا، وهو ما يدفعا للقول إنه أصبح على منتجي “حب، موت وروبوتات” أن يفكروا بإنتاج مسلسلات قصيرة مقتبسة عن الشخصيات المنشأة في بعض الحلقات التي حظيت بتقييم مرتفع لدى جمهور المسلسل، وغالب الظن يمكن تحويل ما لا يقل عن قصتين لمسلسل محدود، كما حال مارفل أستديو التي اعادت إحياء شخصياتها السينمائية بمسلسلات قصيرة حققت فيها نجاحًا خلال الفترة الماضية.

لم تختلف الحلقات الثمانية للموسم الثاني عن الفكرة الأساسية لسلسلة الرسوم المتحركة، حيثُ أننا نجد في “حب، موت وروبوتات” توقعات أكثر سوداوية تظهر في قصص مختلفة تحاكي علاقة البشرية مع التكنولوجيا مستقبلًا، وبعدد حلقات لم يصل إلى نصف حلقات الموسم الأول (18 حلقة) تمكّن صناع السلسلة من أخذ الانتقادات السابقة بعين الاعتبار عند إنشائهم لمحتوى الموسم الثاني، والتي كان من بينها توجيه الانتقادات لكثرة مشاهد العنف ضد النساء، وحتى كثرة الضحايا النساء، وهو ما ساعد على إنشاء الموسم الثاني بمحتوى أقل عنفًا وأكثر اختصارًا.

نجد في الموسم الثاني من مسلسل “حب، موت وروبوتات” توقعات أكثر سوداوية تظهر في قصص مختلفة تحاكي علاقة البشرية مع التكنولوجيا مستقبلًا على الرغم من عدد الحلقات القليل قياسًا بالموسم الأول

وكما الحال مع الموسم الأول، يمنحنا “حب، موت وروبوتات” خيار مشاهدة الحلقات بطريقة عشوائية، والتي نعتقد أن حلقة العملاق الغارق/ The Drowned Giantواحدة من الحلقات المكتوبة بصورة مشابهة لحلقة زيما الأزرق/ Zima Blue، لكن بالتأكيد القصة مختلفة عن الأخيرة، من الممكن أن تكون مقدمة نبدأ بها مشاهدة الموسم الثاني، إذ بينما تستكشف قصة “العملاق الغارق” طبيعة العنف البشري، فإن قصة “زيما الأزرق” طرحت مجموعة من الأسئلة الوجودية في بحث الإنسان عن نفسه؛ لكن ذلك لا يعني أن حلقة “العملاق الغارق” هي القصة الوحيدة المتميزة في الموسم الثاني، إذ لدينا أيضًا قصة فرقة الإبادة/ Pop Squad.

الطبيعة المُدمرة للبشرية هي أكثر ما يميز قصة “العملاق الغارق”، وكذلك قدرة البشر – بشكل عام – على تحويل تفكيرهم بعيدًا عن الموت الذي يتشاركونه في مصير واحد؛ يستيقظ سكان إحدى المدن الشاطئية في القصة المقتبسة عن قصة للروائي جيه. جي. بالارد على تناقل أخبار تتحدث عن وجود جثة رجل عملاق بطول مائتي متر تقريبًا على الشاطئ.

وبشكل تدريجي على طول القصة يبدأ جسد العملاق بالتحول إلى مكان أشبه بحديقة ألعاب للأطفال، أجزاء الجسد الخالية من الشعر تصبح جدرانًا لفناني الغرافيتي، بينما ينظر الجزارون إلى الجسد بشكل كامل في محاولة لمعرفة أي الأجزاء التي يجب قطعها أولًا، وحده ستيفن، وهو عالم، ينظر إلى العملاق من جانب آخر، ومع اختفاء أجزاء من جسد العملاق يبقى قضيبه الضخم شاهدًا على وجوده المادي، بعدما احتفظ به للعرض في متحف الغرائب، وحيدًا ينتصب القضيب في خيمة خصصت له في المتحف، الشيء المختلف الوحيد أن القضيب وحده دونًا عن باقي أجزاء العملاق، كان يُقال عنه إنه قضيب حوت!

مع نهاية القرن الثامن عشر، ظهر توماس مالتوس، وهو قس بريطاني، بنظرية تطالب الحكومة البريطانية بالحد من إنجاب السكان الفقراء للمزيد من الفقراء، والتي عُرفت لاحقًا باسم النظرية المالتوسية لتحديد النسل، يمكننا هنا القول إن حلقة “فريق الإبادة”، وهي أعلى الحلقات تقييمًا في الموسم الثاني على موقع IMDB، تتعمّق أكثر في مستقبل بحث البشرية عن الخلود؛ هكذا في عالم متخيّل عن نسخة البشرية مستقبلًا، يقود المحقق بريجز فرقة الإبادة التي تتولى مهام منع سكان المدينة من الإنجاب، تبرز الحلقة بشكل أكثر وضوحًا في حديث بريجز مع صديقته المطربة الأوبرالية أليس، بعد انتهائه من أداء مهمة اعتقل فيها عائلة، ومن ثم قام بقتل الطفلين، يقول لها في لحظة عاطفية: “لو لم نكن سنعيش للأبد، لتزوجتك”، فترد عليه أليس بالقول: “لو لم نكن سنعيش للأبد، لسمحت لك أن تجعلني حاملًا”!

تقدم مدينة صنست في حلقة خدمة العملاء الآلية/ Automated Customer Service خدماتها لجميع السكان عن طريق الذكاء الاصطناعي، الذي يأخذ مكان اليد العاملة البشرية في المطاعم والمسابح وصالونات الحلاقة والتجميل، وخدمة المنازل، جنبًا إلى جنب يقدم الذكاء الاصطناعي خدماته مع خدمة التسويق التي يتضح أنها تسيطر أكثر على العقل البشري الاستهلاكي، ومن الممكن القول هنا إن الحلقة تقارب في لحظات ما نسخة المخرج البريطاني ستانلي كوبريك 2001: أوديسا الفضاء/2001: A Space Odyssey عن مستقبل البشرية الذي سيكون خاضعًا لسلطة الذكاء الاصطناعي.

يؤدي عطل واحد في أحد الروبوتات إلى تحويل حياة إحدى السيدات التي تسكن في صنست إلى جحيم، مع التركيز أكثر على النزعة الاستهلاكية للبشرية من خلال عامل تسويق الشركات لمنتاجاتها من الذكاء الاصطناعي، كما الحال عندما تتصل السيدة للإبلاغ عن خلل أصاب أحد الروبوتات، والذي يستدعي منها الانتظار لمدة تتجاوز ست ساعات من أجل الحديث مع أحد موظفي الاستعلامات البشريين، في مقابل تقديم خدمة الحديث مع استعلامات الذكاء الاصطناعي في فترة تقل عن 10 ثواني فقط.

في عالم موازي لرؤية جورج ميلر في فيلم ماكس المجنون: طريق الغضب/ Mad Max: Fury Road عندما يصبح الماء سلعة نادرة الوجود، لدرجة يصير فيها ثمنه أغلى من الهواء، تبدأ حلقة سنو في الصحراء/ Snow in the Desert، وهي ثاني أعلى حلقات الموسم الثاني تقييمًا، يسير سنو المطلوب من قبل مجموعات مختلفة بسبب امتلاكه جينات تجعله خالدًا وسط أقفاص سجن فيها أشخاص تحت أشعة الشمس لأنهم قاموا بسرقة المياه، تأخذ الحلقة منحًا مختلفًا مع ظهور صائدي الجوائز الساعين وراء سنو جنبًا إلى جنب مع عملية الاستخبارات المركزية للأرض، مع تضارب الخطط والمصالح، مما يدفع بالثنائي – سنو وعملية الاستخبارات – لخوض معركة ضد أحد قادة مجموعات المرتزقة تكشف عن جانب مهم من شخصيتهما معًا.

تتشابه قصة “خدمة العملاء الآلية” مع قصة “مقصورة النجاة” عندما يخرج أحد الروبوتات عن السيطرة بسبب خلل تقني، يتحول فيها الروبوت الذي كان مطيعًا للجندي تيرنس إلى عدو فتاك وقاتل، يواجه الجندي الذي وجد نفسه عالقًا في إحدى المجرات الموت بسبب عدم انصياع الآلة لأوامره، لكن حظوظه تعود مجددًا بعدما يكتشف أن بإمكانه القضاء على الروبوت من خلال الروبوت نفسه، وبالتوازي يتحول سانتا كلور في قصة في أرجاء المنزل/ All Through the House إلى وحش يقدم الهدايا للأطفال بعد إخراجها من فمه، تنتهي الحلقة بسؤال الطفلين “ماذا لو كنا غير مطيعيّن؟”؛ حيثُ تسير حبكة هاتين الحلقتين على مسار واحد يستكشف مشاعر الخوف من المجهول، ومعهما يمكن أن نضيف حلقة العشب الطويل/ The Tall Grass التي يمكن أن نزيد عليها طبيعة البشرية غير المسيطر عليها وراء البحث عن المعرفة والاكتشاف التي قد تكون نهايتها الموت في بعض الأحيان.

تقدم حلقة ثلج/Ice حبكة متخيّلة عن تطوير الجينات الوراثية للبشر من أجل منحهم قوة غير عادية، وتزيد من قدرتهم على التحمل، وهو ما يجعل سكان المحمية الفضائية يسخرون من سيدجويك، وهو شاب غير معدّل جينيًا، لذا يطلقون عليه لقب “دخيل”، لكن سخرية أصدقاء فليتشر، شقيق سيدجويك الأصغر، تتلاشى من الدخيل بعد نجاحه بإنقاذ شقيقه – المعدّل جينيًا – من الموت خلال إحدى الألعاب القاتلة التي يمارسها فليتشر مع أصدقائه بشكل يومي، وهي بهذا تقدم نسخة متخيّلة جديدة عن طبيعة الصراع الطبقي مستقبلًا، عندما يبدأ البشر ببناء مستوطناتهم على الفضاء.

ما كان ملاحظًا في حلقات الموسم الثاني القليلة عدم تكثيف مشاهد الدماء على حساب زيادة الحديث عن مخاطر التكنولوجيا على مستقبل البشرية، وتحديدًا الذكاء الاصطناعي، وهي فعليًا المحرك الأساسي لقصص لمسلسل الرسوم المتحركة بشكل عام، حتى في حلقة العشب الطويل فإنها تعيدنا إلى بدايات القرن الماضي، عندما كان الأشخاص يركبون القطارات في أسفارهم.

في النظر إلى قصص السلسلة سنجد أن خمسة من أصل الحلقات الثمانية، كانت تدور حول مخاطر الذكاء الاصطناعي، بينما استكشفت حلقتان اضطرابات النفس البشرية عند مواجهتها للمخاطر، على عكس حلقة واحدة أخذت بالبحث أكثر عن الطبيعة المُدمرة للبشرية، تلك الطبيعة التي يشرحها العالم ستيفن في روايته لقصة “العملاق الغارق”، وبالعموم سيكون لدينا ثلاثة قصص تتحدث عن الحب، وكذلك الحال مع عدد القصص التي تتحدث عن الموت أيضًا.

يقدم عالم “حب، وموت وروبوتات” الخيالي تختزل مستقبل البشرية في اتجاهات مختلفة مع محاولته الإجابة عن سؤال وجودي أساسي في الحياة هو: لماذا علينا أن نقاتل من أجل البقاء على قيد الحياة؟

لكن ذلك لا يعني أن الدماء غير حاضرة في أحدث مواسم سلسلة “حب، موت وروبوتات” للخيال العلمي، سنجدها حاضرة بقوة في حلقتي “فرقة الإبادة” و”سنو في الصحراء”، وفيما تجنّبت القصة الأولى تكثيف مشاهد الدماء بإظهار تطايرها، أو بقاء أثار دماء الطفلين على يد المحقق بريجز، قبل أن نشهد بشكل مباشر إطلاق بريجز الرصاص على إحدى المحققات، بعدما أصبح أكثر ميلًا لرفض فكرة الخلود، فإن القصة الثانية كثفت من مشهد الدماء لدرجة تجعلنا مندهشين من مشهد تطاير رأس عميلة الاستخبارات المركزية للأرض، بينما سنشاهد أطراف سنو مبتورة من إطلاق الرصاص، قبل أن نعلم أن الثنائي يحتاج فترة زمنية تقدر بستة أيام حتى تتمكن الأطراف المبتورة من ترميم نفسها مجددًا.

وأيضًا، على عكس حلقات الموسم الأول، فإن الموسم الثاني كان قليل المشاهد الجنسية أو التنوّع الجنسي في طرحه، يمكننا استرجاع قصة فريق سوني/ Sonnie’s Edge التي تقدم ملخصًا عن عالم “حب، موت وروبوتات”، بحبكة قصصية تمزج بين سفك الدماء وقطع الرؤوس وحبس الأنفاس أثناء معركة يسمع فيها صوت الجماجم المكسرة، ويحضر معنا في النهاية الإغواء – الجنس – العنف – الانتقام، وفي الإطار العام لم يخرج الموسم الثاني عن تنوّع الحلقات التي تأخذنا من الرسومات الكلاسيكية لمسلسلات الرسومات المتحركة وصولًا إلى تقنية الواقع الافتراضي المعزز.

نهاية، يمكننا القول إن قرار نتفليكس بتمديد “حب، موت وروبوتات” لموسم ثالث يصدر في العام القادم كان صائبًا، صحيح أن وجهات النظر بين الناقدات والنقاد كانت مختلفة، بحيث أنه لم تكن جيمع المراجعات إيجابية، إلا أن معظم التغريدات التي نشرت على منصة تويتر للتواصل الاجتماعي أشادت بمحتوى سلسلة الرسوم المتحركة، ولعلّ دافع ذلك – فيما يخص تعليقات منصات التواصل الاجتماعي – ما يقدمه عالم “حب، وموت وروبوتات” الخيالي عن مستقبل البشرية في مختلف الاتجاهات، مع محاولته الإجابة عن السؤال الوجودي: لماذا علينا أن نقاتل من أجل البقاء على قيد الحياة؟


وائل قيس

التاريخ: 25 يونيو 2021










الرابط المختصر: