تدير منظمة الفيلق الأمريكي برنامج دولة الأطفال سنويًا منذ عام 1935، وهو عبارة عن برنامج ينظم لمدة أسبوع يتضمن تدريب الأطفال في المرحلة الثانوية الذين يتم اختيارهم على إدارة الحكم الذاتي مستخدمًا النظام السياسي على مستوى حكومات الولايات الأمريكية، تقوم الفكرة في أساسها على تقسيم الأطفال إلى حزبين هما: قوميين واتحاديين، ينظمان حملات دعائية سياسية من أجل الترشح للمناصب الحكومية على مستوى الولاية، بما في ذلك منصب حاكم الولاية.
نقدم في هذه المقالة التي اختارها فريق مينا سبوت نقلها للعربية بتصرف، مراجعة الناقد السينمائي أودي هندرسون للفيلم الوثائقي دولة الأطفال/Boys State من إنتاج آبل بلس، والذي حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان صاندانس السينمائي العام الماضي، بالإضافة لـ13 جائزة أخرى من أصل 22 ترشيحًا.
يقدم المخرجين أماندا ماكباين وجيسي موس في افتتاحية دولة الأطفال العديد من الشخصيات السياسية والإعلاميين الذين شاركوا سابقًا في برنامج الفيلق الوطني، بما في ذلك الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، ونائب الرئيس ديك تشيني، إلى جانب السيناتور الديمقراطي كوري بوكر، والمقدم الإذاعي المحافظ راش ليمبو (1951 – 2021)، لكن ذلك لا يعني أن حضور البرنامج يضمن للجميع النجاح، كما حصل مع الأسماء السابقة، إلا أنه في حال كان فيلم دولة الأطفال الترفيهي يدل على شيء، فإنه بالتأكيد يدل على محاولة إعداد الآخرين لتجاذبات النظام السياسي الأمريكي صعودًا وهبوطًا، كما أنه يوجد برنامج منفصل خاص بالفتيات، ويعرف باسم “دولة الفتيات”.
يتحرر دولة الأطفال من فكرة أنه فيلم قد يظهر الأطفال أنهم أكبر من سنهم، ويمارسون مهامهم بأداء أفضل من السياسيين الذين يديرون النظام السياسي الذي يحاكونه في البرنامج
ينقسم الأطفال المشاركين في دولة الأطفال إلى حزبين سياسيين هما: الفيدراليين (الاتحاديين) والقوميين، وعلى الرغم من أن هذه الأحزاب ليس لديها أي مواقف محددة مسبقًا، فإنها ستقوم بتحديد مواقفها عن طريق القيادة التي تختارها، في حين يقوم باقي أعضاء الحزبين بترشيح أنفسهم لمناصب أخرى، فالبرنامج يتتبع بشكل أساسي المرشحين لمنصب رؤساء المقاطعات ومنصب حاكم الولاية.
ومع ذلك فإن الأطفال الذين يريدون الترشّح لمنصب الحاكم يحتاجون لـ30 توقيعًا عن طريق البحث عن الناخبين المحتملين في الشوارع للحصول على توقيعهم، وفي حال لم يحصل جميع الأطفال من أحد الأحزاب على أكثر من 50 بالمائة من التواقيع، يتم تلقائيًا اختيار أعلى مرشحيّن لجولة الإعادة، في وثائقي دولة الأطفال الذي صوّر في ولاية تكساس، كان آخر الأطفال الصامدين من بين ألف طفل مشارك، ستيفن جارزا عن الحزب القومي، وإيدي برويتي كونتي عن الحزب الفيدرالي.
يتحرر دولة الأطفال من فكرة أنه فيلم قد يظهر الأطفال أنهم أكبر من سنهم، ويمارسون مهامهم بأداء أفضل من السياسيين الذين يديرون النظام السياسي الذي يحاكونه في البرنامج، ويقدم هذا التحرر بصورته الأولى من خلال اقبتاسه لتحذير أول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن من استخدام “رجال غير منضبطين” الأحزاب السياسية من أجل “تقويض سلطة الشعب واغتصاب مقاليد الحكم لأنفسهم”، ومع تقدم دقائق الفيلم يتحول الأطفال إلى الاصطفاف السياسي القائم على اليسار واليمين.
وبما أن الوثائقي يصور في تكساس، فإن الانقسام السياسي بين الحزبين سيكون قائمًا على التعديل الثاني من الدستور الأمريكي الذي يسمح للأمريكيين بحيازة الأسلحة، مع بداية الحملات الانتخابية يبدأ بيان واشنطن بالظهور مع المرشحين وأحزابهم، لكن بطريقة أقل سوءًا من الحياة الواقعية، لذلك فإنه بعد كل شيء سنعرف أن ما يحدث في دولة الأطفال يبقى في دولة الأطفال.
يستند جارزا وبرويتي في حصولهما على الدعم إلى رؤساء مقاطعتهما، وهما على التوالي رينيه أوتيرو وبن فينشتاين، وبينما يظهر فينشتاين طفل محافظ يحب ريغان، وصادف أنه مبتور الأطراف، فإن أوتيرو هو طفل أسود شيكاغو، اعترف في حديثه أمام الكاميرا بأنه “لم يرّ الكثير من البيض من قبل”، وهما خصمان ملتزمان تمامًا بمرشيحهما، يبدوان بأنهما أكبر من سن المراهقة، بالأخص عندما يكون عليهما إدارة غرفة مليئة بزملائهم البالغين من العمر 17 عامًا.
ويوجد كذلك روبرت ماكدوجال هو الآخر مرشح قومي ضد جارزا، والذي توصل لاستنتاج بعد هزيمته في الانتخابات التمهيدية بأنه “في بعض الأحيان لا يمكنك الفوز بما تؤمن به في قلبك”، فهو يرى بأن “الكذب في السياسة أمر مشكوك فيه أخلاقيًا”، ويتابع مضيفًا بأن تجربته في دولة الأطفال منحته تقديرًا يعرف من خلاله “أسباب كذب السياسيين لتولي مناصبهم”.
إن وثائقي دولة الأطفال مثل الموضوع الذي يطرحه تمامًا.. إذ هو نموذج صغير عن العالم الحقيقي للسياسة
ومع ذلك فإن وثائقي دولة الأطفال مثل الموضوع الذي يطرحه تمامًا، إنه نموذج صغير عن العالم الحقيقي للسياسة، لكن لا يمكن للفيلم أن ينتهي بدون ملاحظة أن جارزا، وهو أحد أبناء المهاجرين المكسيكيين، وأوتير هو الآخر من أصول أفريقية، وكلاهما من الحزب نفسه، كذلك ليس مفاجئًا أن تستخدم الدعاية العنصرية في الحملات الانتخابية ضد أوتيرو، والذي يشعر بالاستياء من مثل هذه الحملات لكنه غير منزعج منها، وفي مقابل ذلك فإن أوتير يستخدم مهارته في الحديث مع الناخبين لكسب أصواتهم.
بينما يستنزف جارزا حملته في دولة الأطفال من أجل السيطرة على تشريعات حيازة السلاح، فهو في النهاية في تكساس، واحدة من أكثر الولايات الأمريكية التي شهدت حوادث إطلاق نار جماعية، ورغم ذلك فإن جارزا على استعداد للاستماع إلى أي يشخص يرغب في نقاش مثل تلك القضايا، حتى ولو لم يكن على توافق في الرأي معه، فهو في النهاية يقوم في حملته على فلسفة “هم يسقطون.. نحن نرتقي” التي لا تعمل في عالم السياسة الحقيقي.
يعتبر أودي هندرسون في نهاية مراجعته أن دولة الأطفال واحد من الأفلام الوثائقية التي تُقدم بشكل مختلف بناء على الانتماء السياسي للأمريكيين، أو إذا ما كان يمكن مشاهدة نصف الكأس الفارغ أو النصف الممتلئ، إذ يوثق صناع الفيلم أحداث البرنامج بطريقة تجعل المشاهدات والمشاهدين غير متأكدين مما إذا كان عليهم الشعور بالرعب أو الأمل.