يون يوه جونغ.. سيرة غير عادية لبطلة “ميناري”


لم يُصنف فيلم ميناري/Minari الفيلم الذي نال استحسان الناقدات والنقاد على أنه فيلم تجاري في كوريا الجنوبية، بعدما شاهده أقل من مليون شخص خلال فترة عرضه التي استمرت لمدة 54 يومًا في جميع أنحاء كوريا الجنوبية، بحسب ما يقول تشوي سانغ هون، مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في سيول في تقرير نشرته الصحيفة عينها.

لكن عندما فازت إحدى نجوم الفيلم الذي تدور قصته حول عائلة من الكوريين الجنوبيين المحظوظين في الولايات المتحدة بجائزة أفضل ممثلة مساعدة، فرح الكوريون الجنوبيون ليس فقط لأنها كانت أول ممثلة أو ممثل من كوريا الجنوبية يفوز بالجائزة، ولكن أيضًا لأن يون يوه جونغ هي من كانت الفائزة بالجائزة.

بدأت وسائل الإعلام الكورية الجنوبية منذ صباح اليوم الاثنين بنشر أخبار سريعة وقصير حول يوه جونغ بعد فوزها بجائزة الأوسكار عن فئة أفضل ممثلة مساعدة للعام الجاري، كما أعلنت قنوات الكابل عن تخطيطها بدء عرض أفلام يوه جونغ السابقة، بينما توجهت المعجبات والمعجبين بالممثلة الأوسكارية إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن تهنئتهم لها، وقال الرئيس الكوري الجنوبي مون جان إن في بيان رسمي: “لقد ساعدنا أدائها ببراعة (في ميناري) على استعادة ذكريات أمهاتنا وجداتنا”، وذلك في إشارة لشخصية سونغا التي أدتها يوه جونغ في الفيلم.

تعتبر يوه كونغ أول امرأة آسيوية تفوز بجائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة منذ عام 1957، إلا أن قصة حياتها – بالإضافة إلى قصص شخصياتها في الأفلام – هي التي كانت سببًا لتردد الصدى الكبير لفوزها بالجائزة في كوريا الجنوبية، لا سيما بين النساء اللاتي عانيّن طويلًا من النظام الهرمي الذي يهيمن عليه الذكور في البلاد.

إن قصة حياة يوه جونغ هي التي كانت سببًا لتردد الصدى الكبير لفوزها بالجائزة في كوريا الجنوبية، لا سيما بين النساء اللاتي عانيّن طويلًا من النظام الهرمي الذي يهيمن عليه الذكور في البلاد.

ميناري هو نبات يشبه البقدونس ينتشر في جميع أنحاء كوريا الجنوبية، كما أنه ينمو في أي مكان إذا كانت الرطوبة منخفضة، بما في ذلك المستنقعات وحقول الأرز المهجورة؛ وإذا كان هناك شخص ما يشبه ميناري في صناعة السينما في كوريا الجنوبية، فإنها يوه جونغ.

كانت صورة السيدة يوه جونغ قبل فترة طويلة من حصولها على جائزة الأوسكار تظهر بأنها امرأة شديدة الاستقلالية، غالبًا ما كان يُستهان بها، وهو ما جعلها شخصًا محبوبًا لدى الكوريين الجنوبيين، فهي خلال عملها كممثلة على مدار 55 عامًا شاركت في معظم الأعمال التي تمكّنت من الحصول عليها، بما في ذلك المسلسلات الكورية والأفلام المستقلة وبرامج تلفزيون الواقع، فقد تحدت بنجاحها توقعات المنتجين الذكور الذين كانوا يعتبرون مظهرها عاديًا، وصوتها خشنًا ومزعجًا وغير جذاب، قالت يوه جونغ ذات مرة لقناة كابل كورية جنوبية: “قال المنتجون إنهم سيأكلون قباعتهم إذا كنت سأعمل كممثلة”، ثم أضافت: “لسوء الحظ، كلهم ​​ماتوا الآن”.

خلال مسيرتها المهنية، فإنه لم يكن لدى يوه جونغ خيار إلا قبول الأعمال المعروضة عليها كما تصل في الأصل بدون تعديل، ومع ذلك حققت نجاحًا مبكرًا في أفلام من طراز فيلم امرأة من نار/ Woman of Fire الصادر في عام 1971، إلا أنها تركت التمثيل بعد زواجها من جو يونغ نام، أحد أشهر مطربي كوريا الجنوبية في سبعينيات القرن الماضي، وقامت بالسفر معه إلى الولايات المتحدة، حيثُ حاول هناك العمل كمغنٍ إنجيلي، وهكذا انتهى زواجهما بالطلاق في الثمانينيات.

عادت يوه جونغ بعد طلاقها إلى سيول من أجل العمل في التمثيل مرةً أخرى، كانت في سن الـ38، وكان المجتمع الكوري الجنوبي لا يزال متحيزًا بشدة اتجاه النساء المطلقات في ذلك الوقت، وهو ما أجبرها على التخلص من تلك النظرة المتحيزة مع وجود ولديّن تعمل على تربيتهما، تقول يوه جونغ في مقابلة لها: “لم أكن أملك مطلقًا رفاهية الممثلات اللاتي لديهنّ أزواج أثرياء، ويمكنهنّ اختيار أدوارهنّ السينمائية بأنفسهنّ”.

كما أنها قالت في مقابلة مع محطة تلفزيون كورية جنوبية في عام 2009 إنها قامت بعملها كممثلة “من أجل البقاء على قيد الحياة، وتوفير الطعام”، وأضافت بأنه “يمكن للممثلة أن تقوم بأفضل أعمالها عندما تكون في أشد الحاجة إلى المال”، وتابعت “عندما تكون جائعًا ، فإنك بيأس، تبذل أقصى جهد لديك في عملك “.

تعددت الأدوار التي شاركت فيها يوه أونغ، فقد ظهرت كامرأة قاتلة، جدة محبة، وحتى أنها أدت دور بائعة جنس في فيلم زوجة المحامي الصالح/A Good Lawyer’s Wife في عام 2003، بعد أن رفضت العديد من الممثلات اللاتي اخترهنّ المخرجين أداء دور المرأة التي تمارس الجنس مع رجل آخر، فيما زوجها يعاني من مرض العضال، لكن يوه جونغ وافقت على تأدية الدور مشيرة إلى أنها ستسختدم المال لإعادة تصميم غرفة المعيشة.

وفي أحد المرات قامت بأداء دور ملكة شريرة في أوبرا كورية جنوبية بشكل جيد لدرجة أن غالبية الناس عندما كانوا يشاهدونها في الشارع كانوا يقومون بشتمها، يقول هوه أون، أستاذ الإعلام الجامعي المتقاعد في سيول، إن: “الناس يحبون يون يوه جونغ لأنهم يعرفون قصة حياتها”، إذ أنهم “حين يفكرون بها، فإنهم لا يفكرون في الأضواء التي تسلط عادة على نجوم السينما، إنما يفكرون بامرأة كافحت لكسب لقمة العيش طوال هذه السنوات”.

ومع وصول خبر فوزها بالجائزة صباح اليوم الاثنين، عبّرت زملائها الممثلات والمعجبات عن فرحهم على وسائل التواصل الاجتماعي في كوريا الجنوبية، ونقلت المملثة كم هي سو عن يوه جونغ قولها: “هذا العام أصبح عمري 67 عامًا، وهذه هي المرة الأولى التي أبلغ فيها 67 عامًا”، مضيفةً بأنها “المرة الأولى التي نعيش فيها هذه الحياة، لذا لا يسعنا إلا أن نشعر بالألم والندم”.

كما انتشر الخطاب الذي ألقته يوه جونغ بعد فوزها بجائزة الأوسكار بشكل واسع، نظرًا  لما أضفت عليه من طابع مميز، فقد قام براد بيت، الذي موّلت شركته إنتاج الفيلم، بتقديم الجائزة ليوه جونغ التي قالت في خطابها: “أخيرًا شاهدتك سيد براد بيت.. فرصة سعيدة للغاية”، ثم أضافت: “أين كنت عندما كنا نصور في تولسا؟”.

يصور فيلم ميناري كفاح عائلة كورية تحاول إعادة بناء حياتها كمزارعين في ريف أركنساس في الثمانينيات، وهي الفترة التي توجه فيها العديد من الكوريين الجنوبيين الفقراء إلى الولايات المتحدة من أجل البحث عن حياة أفضل، كما أن ميناري يتعبر الفيلم الكوري الجنوبي الثاني الذي يصنع التاريخ خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار، بعد فيلم طفيلي/ Parasite للمخرج بونغ جون هو الذي فاز بأربعة جوائز أوسكار في نسخة العام الماضي.

حقق فيلم طفيلي أكثر من 10 ملايين مشاهدة في غضون شهرين من صدوره، بينما يعود أحد أسباب فشل فيلم ميناري في تحقيق النجاح التجاري عينه إلى تجربة المهاجرين في الثمانينيات، والتي بدأ تصورها يتلاشى بشكل سريع؛ حيثُ يهاجر في الوقت الراهن عدد قليل من الكوريين الجنوبيين إلى الولايات المتحدة، وحتى أولئك الذين يهاجرون في الوقت الراهن فإنهم عادةً ما يكونون أبناء العائلات الغنية الذين يذهبون للدراسة في الولايات المتحدة، إذ يشاهد الكوريون الجنوبيون تصاعد جرائم الكراهية اتجاه الأمريكيين من أصول آسيوية في الولايات المتحدة.

بعد أن بدأ فيلم ميناري بالحصول على الجوائز من مختلف المهرجانات خلال الأسابيع الأخيرة، أصبح المعجبون يطلقون على يوه جونغ لقب “ميريل ستريب كوريا الجنوبية”

إلا أن يوه جونغ لعبت على وتر حساس لدى الكوريين الجنوبيين عندما قامت بأداء شخصية الجدة سونجا، جدة كريهة الفم لكنها محبة في ميناري، فهي انتقلت من كوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة للاعتناء بأحفادها،  غير أن حفيدها لا يعتبرها “جدة حقيقية”، ودائمًا ما يشكو من أن “رائحتها تشبه رائحة كوريا الجنوبية”، وفي النهاية يقومان ببناء رابطة لكن ببطء من خلال لعبهما الورق معًا، وتشاركهما مشروب ماونتن ديو الغازي، والذي تعتقد سونجا بأنه مشروب صحي لأنه مصنوع من “ندى الجبال”.

بعد أن بدأ فيلم ميناري بالحصول على الجوائز من مختلف المهرجانات خلال الأسابيع الأخيرة، أصبح المعجبون يطلقون على يوه جونغ لقب “ميريل ستريب كوريا الجنوبية”، إذ أنها فعلت ما لم يستطع أي ممثلة أو ممثل كوري جنوبي أن يفعله، وبينما فاز فيلم طفيلي بأربعة جوائز أوسكار خلال حفل العام الماضي، فإنه لم يترشّح عنه أي ممثلة أو ممثلة للجوائز عن فئة التمثيل.

في ليلة الأحد (فجر الاثنين) قالت يون يوه جونغ وهي تحمل الجائزة: “أود أن أشكر ولدَيَّ (كلاهما مولود في الولايات المتحدة) اللذين أجبراني على الخروج والعمل”، وتابعت مضيفة: “هذه هي النتيجة لأن الأم عملت بجد”.

 


مينا سبوت

التاريخ: 26 أبريل 2021










الرابط المختصر: