نظرة فاحصة على عودة “الأرنب الأبيض” في فيلم “The Matrix Resurrections”

المصفوفة: القيامة

بعد مضي 18 عامًا على عرض الجزء الثالث من سلسلة أفلام الخيال العلمي (الماتريكس) المصفوفة/The Matrix تعود وارنر براذرز مع فيلاج رود شو بيكتشرز في جزء جديد من السلسلة التي بدأ عرضها لأول مرة مع نهاية القرن الـ20، من خلال إطلاقها مؤخرًا المقدمة الرسمية لفيلم الخيال العلمي والحركة المصفوفة: القيامة/The Matrix Resurrections للمخرجة لانا واتشوسكي، المتوقع وصوله إلى صالات السينما وخدمة البث الأمريكية HBO MAX في الـ22 من ديسمبر/كانون الأول القادم.

تحمل المقدمة الرسمية الكثير من التأويلات والتفسيرات منذ الثواني الأولى عندما يظهر في البداية نيل باتريك هاريس جالسًا على كرسي فيما يبدو أنه يؤدي دور معالج نفسي، بينما يجلس على الكرسي المقابل له نيو (يؤدي دوره كيانو ريفس)؛ نعرف من خلال المحادثة السريعة أن نيو يعاني من أحلام لها علاقة بحياته في الأفلام السابقة.

مرةً جديدة نسمع مواء قط أسود بصوت خافت يشبه القط الذي ظهر في الجزء الأول عندما كان من بين إحدى الشخصيات التي تقمصها العميل الاصطناعي سميث أثناء ملاحقة توماس، نسمع بعدها هاريس يسأل نيو: “توماس تبدو الآن بشكل واضح أنك مرتاب؟”، ليجيب نيو: “أعاني من أحلام.. مجرد أحلام.. هل أنا مجنون؟”، ليرد هاريس بشكل قاطع: “نحن لا نستخدم هذه الكلمات هنا”.

مع انتهاء المشهد نبدأ بالاستماع إلى المقدمة الموسيقية لأغنية “الأرنب الأبيض” الخاصة بفرقة موسيقى الروك الشهيرة في ستينيات القرن الماضي جيفرسون إيربلاين، التي تظهر كخلفية على طول المقدمة التشويقية، والواضح أن الأغنية اشتغل عليها بحرفية عالية جعلت كلماتها تتداخل مع المشاهد السريعة التي نشاهدها في حنين إلى واحدة من أهم السلسلال السينمائية.

ضمن هذه اللحظات السريعة نجد نيو يتقابل مع ترنتي (تؤدي دورها كاري-آن موس) مكان عام، خلال هذا اللقاء تسأله ترنتي: “هل التقينا سابقًا؟”، وهو ما يعيدنا إلى الجزء الأول عندما ألتقى نيو مع ترنتي في ملهى ليلي لأول مرة، كان حينها مأخوذًا بالرسالة التي وصلت إلى جهاز الكومبيوتر الخاص به، وخاطبته بشكل مباشر: “الماتريكس امتلكك.. أتبع الأرنب الأبيض”، وهو ما فعله حين شاهد وشمًا على ذراع إحدى الفتيات بعد الرسالة مباشرة.

عندما يلتقي مورفيس (يؤدي دوره لورانس فيشبورن) مع نيو لأول مرة في الجزء الأول من سلسلة “المصفوفة”، يؤسس الحوار الذي يدور بينهما لقصة الأجزاء الثلاثة، وهو ما كان واضحًا في حديث مورفيس عن الفرق بين الحبتين الزرقاء والحمراء: “هذه آخر فرصة لك بعدها لا يوجد خط رجعة.. تأخذ الحبة الزرقاء فتنتهي القصة.. وتستيقط في سريرك.. وتؤمن بما تريد أن تؤمن به.. تأخذ الحبة الحمراء فتبقى في بلد العجائب.. وسأريك مدى عمق حجر الأرنب”.

في المقدمة الرسمية التي أطلقتها وارنر براذرز نجد نيو يأخذ الحبة الزرقاء بدلًا عن الحمراء، سيكون أمامنا عشرات الحبات الزرقاء المتساقطة على خلفية كلمات أغنية “الأرنب الأبيض” التي تقول: “حبة واحدة تجعلك كبيرًا.. حبة واحد تجعلك صغيرًا”، فعليًا نشاهد الكثير من إسقاطات أغنية “الأرنب الأبيض” التي تتزامن مع مشاهد المقطع الترويجي، تظهر لاحقًا بريانكا شوبرا وهي تغلق كتاب “أليس في بلاد العجائب” مع وصول الأغنية إلى القول: “أذهب لسؤال أليس عندما يكون طولها 10 أقدام”.

وفقًا للتوقعات فإن شوبرا من الممكن أن تؤدي دور العرافة أوراكل التي أدت دورها في الأجزاء الثلاثة السابقة غلوريا فوستر، ومن بعدها يظهر لدينا أيضًا يحيى عبد المتين، مرةً أخرى وفقًا للتوقعات فإن متين من الممكن أنه يؤدي دور مورفيس عندما كان شابًا، حيثُ نشاهده في المقطع الترويجي يقدم الحبة الحمراء لنيو لأنه “حان وقت الطيران” أو حان وقت العودة إلى عالم المصفوفة.

عند العودة إلى بدايات الجزء الأول من سلسلة “المصفوفة” نتذكر أن الممثلة الأسترالية آدا نيكوديمو كانت قد ظهرت في مشهد واحد عُرفت خلاله باسم “فتاة الأرنب الأبيض” التي قادت نيو للقاء ترنتي، في الجزء القادم من “The Matrix Resurrections” مرةً أخرى تظهر بوغس (تؤدي دورها جيسيكا هنويك) مع وشم للأرنب الأبيض على كتفها، تقول لنيو: “إذا كنت تريد الحقيقة.. عليك أن تتبعني” على أنغام صوت غريس سليك عندما تقول في الأغنية التي كتبت كلماتها في عام 1967: “إذا ذهبت لمطاردة الأرنب الأبيض.. تعلم أنك سوف تسقط”.

كانت أغنية “الأرنب الأبيض” قد أطلقت لأول مرة ضمن ألبوم الوسادة السريالية/Surrealistic Pillow لفرقة جيفرسن إيربلاين في عام 1967، وكان عليها الانتظار عامين إضافيين حتى تنال شهرة واسعة حتى يومنا هذا، بعدما قامت سليك بأدائها ضمن مهرجان وودستوك الموسيقي في عام 1969، في وقت لاحق قالت سليك في إحدى حواراتها عن أسباب كتابتها للأغنية موضحةً: “نحن الأشخاص الذين حذرنا أباؤنا منهم”، مضيفةً بأن الأهالي الذين كانوا يطلبون من أطفالهم عدم تناول هذه الحبوب كانوا هم أنفسهم يأخذونها، بحسب ما ينقل موقع دين أو جيك الترفيهي.

والواضح من كلمات “الأرنب الأبيض” أن سليك اعتمدت في كتابتها على سلسلة روايات الفانتازيا الكلاسيكية “آليس في بلاد العجائب” للكاتب لويس كارول، والتي تدور حول تغيّر أحجام شخصياتها بعد تناولهم أطعمة عادية داخلها أشياء غريبة أو شراب سائل عجيب، وهو ما يحيلنا إلى الحبوب المخدرة التي تؤدي إلى الهلوسة، أو غيرها من الأصناف الأخرى.

واستخدمت أغنية “الأرنب الأبيض” سابقًا في فيلم المغامرة الكوميدي الخوف والبغض في لاس فيغاس/Fear and Loathing in Las Vegas للمخرج تيري غيليام، الذي يدور حول رحلة اثنين من الأشخاص إلى لاس فيغاس يقومون فيها باختبار جميع أنواع الحبوب المنشطة والمهلوسة معًا، حيث ظهرت كخلفية لمشهد الدكتور جونزو (يؤدي دوره بينيسيو ديل تورو) عندما يكون جالسًا بثيابه في بانيو الاستحمام تحت تأثير الحبوب التي أسرف في تعاطي أنواعها المختلفة.

لكن أغنية “الأرنب الأبيض” تظهر أكثر ارتباطًا في كلماتها مع فلسفة سلسلة “المصفوفة”، وبالأخص في الجزء الأخير الذي اختار الحبتين الحمراء والزرقاء ملصقًا له، فقد تم توظيف كلماتها بما يتناسب مع مشاهد المقدمة ما منح الأغنية بعدًا فلسفيًا يوازي فلسفة المصفوفة، والذي يدل على إمكانية أن تكون من بين الأغاني المستخدمة في مجموعة من مشاهد “The Matrix Resurrections”.

يتبع نيو في المقدمة الرسمية “الأرنب الأبيض” بوغس التي تقوده إلى لقاء مورفيس، يدور بين نيو ومورفيس حديث سريع على عجل ينتهي بتنفيذ نيو حركة قتالية سريعة تطيح بمعلمه السابق مورفيس، بعدها سنشاهد ما يزيد على 30 ثانية لقطات متداخلة من القتال السريع، إيقاف الرصاص في الهواء، انفجار سيارات الشرطة، وطيران نيو وترنتي في الهواء مع خلفية لكلمات “الأرنب الأبيض” عندما تقول إيربلاين: “غذي عقلك”، كلمات تعيدنا إلى مطلب مورفيس من نيو في الجزء الأول: “تحرير عقله”، ويزيد عليه مطالبًا إياه بـ”الشك وعدم اليقين”.

ومع نهاية المقدمة التي لا تتجاوز مدتها ثلاث دقائق، نشاهد جوناثان غروف يخاطب نيو قائلًا: “بعد كل هذه السنوات تعود إلى نقطة البداية.. إلى المصفوفة!!!”، ربما هي إشارة إلى شخصية نيو السابقة عندما كان يعرف باسم توماس أندرسون، الفتى الشاب الذي يعمل قرصانًا إلكترونيًا قبل أن يدخل عالم المصفوفة المسيطر عليه من الذكاء الاصطناعي لإبقاء البشر خاضعين له من أجل الحصول على الطاقة.

منذ انطلاق الجزء الأول لسلسلة “المصفوفة” كان نيو يوصف بـ”المختار” الذي سيحرر البشر من سيطرة الآلات، وهو فعليًا ما انتهى إليه الجزء الثالث عندما يقاتل في نهايته العميل الاصطناعي سميث (يؤدي دوره هوغو ويفنغ) إلى أن يصل نيو للمرحلة الأخيرة عندما يقوم بتفجير نفسه إنقاذًا للبشرية، بينما تظهر في المشهد الختامي أوراكل مع المسؤول عن نظام المصفوفة (يؤدي دوره هيلموت باكايتيس) الذي يسألها: “إلى متى تعتقدين أن هذا السلام سيستمر؟”، لترد عليه بالقول: “قدر ما يستطيع أن يستمر”.

بحسب ما تظهر المقدمة الرسمية فإن نيو يعود حيًا من جديد، وهو ما اعتبره جمهور السلسلة السينمائية طبيعيًا على اعتبار أنه “المختار”، لكن المقدمة تقدم لنا أيضًا مجموعة من الأشخاص الذي عادوا شبابًا، على عكس نيو وترنتي، علمًا أن فيشبورن كان قد أكد سابقًا على عدم ظهوره بشحصية مورفيس في “The Matrix Resurrections”.

يجعلنا مشهد أخذ نيو للحبوب الزرقاء مع ظهور مجموعة من الشخصيات حين كانت لا تزال شابة التكهن بأن الفيلم يقدم لنا قصة ماذا كان سيحدث لو أن نيو أخذ الحبة الزرقاء بدلًا من الحمراء، لذا ليس مستبعدًا أيضًا أن تقع أحداث “The Matrix Resurrections” بعد الجزء الأول عبر مزيج من الروايات المعاكسة لخيارات نيو.

وفي المقابل فإن المقدمة تعطينا لمحة سريعة عن حياة نيو الحالية التي يعيشها في سان فرانسيسكو، ما يتضح لنا أن نيو غير مدرك عما حصل معه في حياته السابقة عندما اختير لإنقاذ البشرية من سيطرة الذكاء الاصطناعي عليها، وهي المشاهد التي تعود إلى ذاكرة نيو في حياته الحالية المعروف بها بأندرسون، مشاهد متداخلة من عالم المصفوفة الذي سيعود إلى تذكره نيو لاحقًا، حيثُ يظهر أن نيو وترنتي يحاولان استعادة قوتهما التي كان يتمتعان بها سابقًا.

إذ إنه مثل نيو، تبدو ترنتي تعيش حياتها بشكل طبيعي أيضًا، وهو الأمر المعروف عنه في عالم المصفوفة الخيالي بشكل عام؛ يظهر الثنائي بعدما تقدم بهما العمر، وهو ما يحيلنا إلى سؤال إضافي هل ترنتي مثل نيو، أي أنها أيضًا مختارة لإنقاذ البشرية من ديكتاتورية الذكاء الاصطناعي! علينا التذكر هنا أن هوليوود لم تكن جذرية في تقديمها للنساء اللواتي يتمتعنّ بقدرات خارقة للطبيعة، قبل أن تفرض عليها حملة “أنا أيضًا” وسياسات التنوع والشمول ذلك مع بداية عام 2017، لذا علينا انتظار الإجابة عن هذه الأسئلة إلى حين طرح “The Matrix Resurrections” في صالات السينما.

وعلى عكس الأجزاء الثلاثة السابقة التي شاركت في كتابتها وإخراجها الشقيقتين لانا وليلى واتشوسكي، فإن ليلى اعتذرت عن مشاركتها في الفيلم الجديد، فيما تولى كتابة النسخة السينمائية القادمة من عالم المصفوفة الخيالي دايفيد ميتشيل بالاشتراك مع ألكسندر هيمون ولانا أيضًا بالاستناد إلى قصة الأجزاء الثلاثة التي كتبتها الشقيقتين واتشوسكي، بينما لا تزال تفاصيل قصة الفيلم مجهولة في ظل تكتم وارنر براذرز عليها.

وكانت ورارنر براذرز قد أطلقت قبل طرح المقدمة الرسمية موقعًا إلكترونيًا خاصًا بـ”The Matrix Resurrections” الذي يقدم للجمهور مقطعين ترويجييّن مختلفين من خلال خيار الضغط على الحبة الزرقاء أو الحمراء، وعند الضغط على إحدى الحبتين سيشاهد الجمهور مقطعًا مختلفًا عن الآخر، وكان لهذا الخيار دور في إثارة تكهنات جمهور “المصفوفة” عبر منصات التواصل الاجتماعي الذين بدؤوا بتداول شائعات تقول إن خيار الضغط على إحدى الحبتين يعني قصة ونهاية مختلفة لفيلم “The Matrix Resurrections” عن الحبة الأخرى.

 


وائل قيس

التاريخ: 14 سبتمبر 2021










الرابط المختصر: