تعطي سلسلة الدراما والغرب الأمريكي يلوستون/Yellowstone انطباعًا أوليًا بأنه مفصّل على قياس إرضاء الأوساط المحافظة في الولايات المتحدة التي ينتمي إليها الناخبون الجمهوريون، إذ أن هذا الوسترن الحديث يحتفي مثلًا بمسابقات الروديو لرعاة البقر، وغالبًا ما يلجأ أبطاله إلى استخدام الأسلحة، وفقًا لتقرير وكالة الأنباء الفرنسية.
إلا أن الواقع يبدو مختلفًا، إذ نجح المسلسل المصنف ضمن خانة الأعمال التفلزيونية الطويلة (soap-opera) في جذب جمهور من كل الانتماءات، فبات في نهاية المطاف بمثابة أرضية ثقافية مشتركة في بلد يشهد انقسامًا حادًا على المستوى السياسي.
ويتمحور المسلسل على قصة عائلة داتون، حيثُ يؤدي كيفن كوستنر دور كبيرها، وتتناوب في أحداثه المؤامرات العائلية مع مشاهد الحركة التي تتسم في كثير من الأحيان بالعنف، حيثُ تملك العائلة مزرعة كبيرة وجميلة في ولاية مونتانا (شمال غرب الولايات المتحدة)، بالقرب من محمية يلوستون الوطنية، وتحاول بكل الوسائل حمايتها من جشع بعض مطوري العقارات والسياسيين والسكان الأصليين الذين يطالبون باسترداد أر اضي أجدادهم.
واستقطب المسلسل الذي صدر منه 39 حلقة موزعة على أربع مواسم، بدأ عرضها لأول مرة عام 2018 متابعين مخلصين في المناطق الريفية والمدن الأمريكية الصغيرة التي لا يزال سكانها ميّالين إلى التلفزيون التقليدي أكثر مما هم إلى منصات البث المباشر، وكان للخطة التسويقية للمسلسل دور في نجاحه جماهيريًا، إذ ترافقت إعلاناتها مع نقل مباريات كرة القدم الأمريكية التي يتابعها جمهور كبير.
لكن إطلاق شبكة باراماونت بلس الموسم الرابع في نوفمبر/تشرين الثاني الفائت اجتذب 11 مليون مشاهد، اي أكثر مما فعل الموسم الرابع من سلسلة الفانتازيا الشهيرة على HBO صراع العروش/Game of Thrones، وهو ما لاحظه كيث كوكس، رئيس باراماونت، في تصريح لوكالة فرانس برس أن “ثمة من يقول إن المسلسل مخصص لليمين الجمهوري، لمجرد أن أحداثه تدور في مونتانا، ولأن فيه مربّي ماشية، لكننا الآن نلمس أنه مسلسل للجميع”.
وشكّل حصول “يلوستون” على ترشيحه لجائزة نقابة ممثلي الشاشة في هوليوود، وهو الأول له في موسم الجوائز، إقرارًا من هوليوود بنجاحه، ودليلًا على أن هذا النجاح تجاوز الآراء السياسية، إذ من المعروف عن أعضاء هذه النقابة أنهم غير قريبين من توجهات المحافظين، كما كان لوجود نجم سينمائي من مستوى كيفن كوستنر دور كبير في إثارة انتباه النخب إلى المسلسل.
ومع تنامي إقبال الجمهور على “يلوستون”، راح كثر يرون فيه نسخة من نوع الوسترن للمسلسل الناجح على HBO خلافة/Succession الذي نال استحسان النقاد، ويتناول هو الآخر تمزق عائلة ثرية، لكن في إطار آخر هو عالم الأعمال في نيويورك.
وإذا كان ما يجمع المسلسلين هو أن لكلا العائلتين “شيخًا” أو كبيرًا ذا سلطة وسطوة، وأن يحفلان بالألاعيب السياسية والمروحيات الخاصة، فإن القيم التي يعبران عنها على تعارض تام، لأن غالبية الجمهور الأمريكي يمقتون الورثة الأنانيين والساخرين الذين يخونون آباءهم في “خلافة”، على ما لاحظت ماري مورفي، المتخصصة في صناعة الترفيه والثقافة الشعبية في جامعة جنوب كاليفورنيا.
وأضافت أن خلافة لم يتمكن في حلقته الأخيرة من جذب أكثر من 1,7 مليون مشاهد، رغم التغطية الإعلامية الضخمة التي حظي بها، وهو ما رصده فريق سبوت في عديد التقارير التي أشارت إلى أن الحلقة الأخير من الموسم الرابع والأخير بلغت عدد مشاهداتها 9.3 مليون مشاهدة، مسجلة زيادة قدرها 81 بالمائة عن الحلقة الأخيرة من الموسم الثالث.
وترى مورفي أن “يلوستون” يتلخص بأنه قصة سخيفة لرجل “يستخدم صلاته بالناس للحفاظ على الأرض”، وتابعت مضيفة أن “أولئك الذين يشاهدون هذا يشعرون بالراحة في أسلوب حياتهم البسيط”، مشيرة إلى أهمية هذا البعد في مكافحة الشعور “بعدم الأمان” الناجم عن الجائحة، وأن المسلسل يضيء على القيم الأمريكية وعلى الطريقة “التي بني بها البلد”، وهو موضوع مطروح بقوة في كل أنحاء الولايات المتحدة.
كذلك تستثمر السلسلة بكل ما أمكن عنصر الأصالة الذي تتضمنه، ويتمثل في وجود مربي الماشية ومسابقات رعاة البقر، مع أنها تتعمد أحيانًا إبراز العنف والفضائح لخدمة الحبكة، وبحسب كوكس فإن مبتكر “يلوستون” تايلور شيريدان يعرف جيدًا الأجواء التي يقوم عليها مسلسله، إذ أن كاتب الحلقات هو ابن تكساس، ويهوى الخيول، وهو نفسه يمتلك مزرعة، وبالتالي “هذا عالمه”.
وحاول البعض الإيحاء بأن المسلسل يحمل لواء أفكار اليمين المحافظ، مستشهدين كمثال ببعض المقاطع التي يُعتقد أنها تنتقد حركة “woke”، وخبث دعاة حماية المناخ، لكن كوكس أكد أن المسلسل “لا ينحاز إلى أي جانب”. وأضاف “لا أعتقد أنه يلوح بعلم هذا الطرف أو ذاك (…).؟أعتقد أنه واقعي فحسب”، مستشهدًا بزملائه في هوليوود الذي كانوا “ينتقدون المسلسل أو لا يأبهون به، لكنهم بدلوا رأيهم [فجأة] وأصبحوا معجبين به”.
وأطلقت باراماونت بلس مع نهاية العام الماضي الحلقة الأولى من سلسلة الغرب الأمريكي 1883 المقتبسة عن سلسلة “يلوستون” بعد النجاح الذي حققته السلسلة الأصلية، وهو من تأليف الكاتب الرئيسي للسلسلة الأصلية شيريدان الذي يتولى مهام الإخراج أيضًا، وبحسب ما أظهر البحث فإن السلسلة حصلت على تقييمات نقدية إيجابية بنسبة 85 بالمائة على موقع روتن توميتوز المتخصص.
تدور أحداث سلسلة “1883” حول عائلة دوتون التي تقوم بالرحيل عبر السهول الكبرى باتجاه الغرب المعقل الأخير للولايات المتحدة الجامحة، في إعادة سرد للتوسع الغربي الذي يصوّر هروب إحدى العائلات للبحث عن مستقبل أفضل في ولاية مونتانا.