أعادت شبكة HBO MAX الرقمية إحياء قصة المغنية والممثلة وعارضة الأزياء وعاملة الجنس كريستينا أورتيز رودريغيز، إحدى أشهر العابرات جنسيًا في تسعينيات القرن الماضي، بعدما حوّلت سيرتها الذاتية إلى مسلسل قصير بعنوان فينينو/ Venenoقُدم عرضه الأول للجمهور الإسباني عبر شبكة Atresplayer Premium الإسبانية في مارس/أذار الماضي، قبل أن تقوم الشبكة الأمريكية بتقديمه لجمهورها عبر منصتها الرقمية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد أن حقق المسلسل خلالها نجاحًا كبيرًا في إسبانيا بحصوله على جائزتين من أصل ستة جوائز ترشّح لها منقسمة على أربعة مهرجانات إسبانية، كان من بينها جائزة للممثلات الثلاثة اللاتي أدينّ دور أورتيز.
ليست عاهرة.. ليست قديسة
يحكي المسلسل المكوّن من ثمانية حلقات من إخراج الثنائي الإسباني خافيير أمبروسي وخافيير كالفو السيرة الذاتية لأيقونة العابرات جنسيًا الأكثر شهرةً في إسبانيا كريستينا أورتيز، والتي تعرف أيضًا باسم لا فينينو، يقابل معناها بالإسبانية “السم”؛ المسلسل الذي شارك الثنائي الإسباني بكتابة حلقاته مقتبس عن كتاب الصحفية العابرة جنسيًا فاليريا فيغاس الصادر بالإسبانية في عام 2016، بعنوان “أقول: ليست عاهرة، وليست قديسة.. ذكريات لا فينينو“.
يروي المسلسل الذي اعتمد في نسبة كبيرة من إنجازه على كتاب فيغاس قصة أورتيز منذ طفولتها عندما نشأت في بلدة أدرا في منطقة الأندلس في الجنوب الإسباني، حيثُ كانت تُعامل بعنف من قبل عائلتها – وتحدد المذكرات معاملتها بعنف من قبل والدتها المعادية للمثليين/ات – بسبب الملامح الأنثوية التي كانت تظهر على أورتيز حين كانت لا تزال مراهقًا ذكرًا، قبل أن تقرر في منتصف العشرينيات من عمرها الانتقال إلى مدريد، حيثُ بدأت بإجراء جلسات التحول الهرموني.
اكتسبت أورتيز شهرتها على نطاق واسع في إسبانيا بعد ظهورها بصورة عفوية في أحد البرامج التلفزيونية
اكتسبت أورتيز شهرتها على نطاق واسع في إسبانيا بعد ظهورها بصورة عفوية في منتزه باركي ديل أويستي خلال مقابلة تلفزيونية مع الصحفية فايلا ساينز، مراسلة البرنامج التلفزيوني الإسباني الليلة نعبر نهر المسيسيبي/ Esta Noche Cruzamos el Mississippi في عام 1996، حيثُ كانت أورتيز تخصص مع النساء العابرات جنسيًا الكثير من وقتهنّ للعمل في مجال الجنس قرب المنتزه، لاحقًا ظهرت أورتيز ضمن إحدى حلقات البرنامج التي تبث من الاستديو، لتصبح بعد ظهورها الأول واحدة من المقدمين الأساسيين للبرنامج بسبب ظهورها الجريء وحسها الفكاهي مما زاد من شعبيتها في إسبانيا.
المسلسل الذي تصفه مراسلة مجلة تايم المتخصصة في قضايا التنوّع الاجتماعي والثقافة سوين هاينز بأنه يمثل خطوة مهمة في أعمال العابرين/ات جنسيًا، تتضمن حلقاته العديد من تفاصيل الحياة الشخصية لأورتيز، من خلال روايته للتحديات التي واجهتها كشخصية عابرة جنسيًا، والانتصارات التي استطاعت تحقيقها بعد إنهاء جلسات تحولها الهرموني، معتمدًا في حلقاته على مزيج من المذكرات الشخصية والسيرة الذاتية لأورتيز.
ووفقًا لمخرجي المسلسل فإن كتاب فيغاس كان له دور كبير في كتابة السيناريو، إضافة للأحاديث الشفوية التي أجريت مع فيغاس أكثر أصدقاء أورتيز قربًا منها، رغم أنها قابلت أورتيز عندما كانت كبيرة في السن، وقدمت وقتها أورتيز التشجيع والمساعدة لفيغاس على إجراء جلسات التحول الهرموني، وإلى ذلك يقدم المخرجين خلال الحلقات صورًا ومقاطع فيديو أرشيفية لأورتيز، التي توفيت بعد شهر من نشر سيرتها الذاتية في عام 2016، وقد أكدت التقارير الطبية لتشريح جثتها أن وفاتها كانت على إثر سقوطها في منزلها.
وحتى ما قبل عرضه فينينو عبر HBO MAX استطاع المسلسل أن يحقق نجاحًا داخل إسبانيا بعد عرضه لأول مرة عبر Atresplayer Premium، ووفقًا لما نقلت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية فإن نسبة المشتركين في الشبكة الإسبانية ارتفعت إلى 42 بالمائة في مارس/أذار من العام 2020 مقارنة بـ18 بالمائة من الفترة عينها من العام 2019، مشيرة إلى أن فينينو أصبح أفضل مسلسل يحصل على نسبة مشاهدات عالية من ضمن قائمة المسلسلات التي عرضت لأول مرة للجمهور.
فينينو.. “بيان سياسي لا يمكن إنكاره”
في مقابلة عبر تطبيق زوم لمكالمات الفيديو مع مجلة فارايتي الأمريكية، تحدث أمبروسي وكالفو من منزلهما المشترك في مدريد عن كواليس اختيارهم قصة أورتيز لتصويرها، يقول كالفو في المقابلة إن المنتجين توقعوا أن يقترح الثنائي صناعة مسلسل عن شخصية تشبه الفنان الإسباني خوليو إغلسياس، قبل أن يقترح أحدهما لا فينينو، وهو ما كان مفاجئًا للمنتجين الذين استفسروا مندهشين عن الاسم.
يتحدث كالفو في المقابلة عن إجابته على سؤال أحد المنتجين حين استفسر عن لا فينينو باختصار قصتها أنها: “كانت امرأة متحولة جنسيًا. كانت مشهورة لكنها عاهرة.. ثم دخلت إلى السجن”، ويضيف أمبروسي موضحًا الأسباب التي دفعت بهما لإخراج المسلسل “نشأنا كرجال مثليين بدون قصص، بدون مرايا ننظر إليها أو توجه حياتنا”، مضيفًا بأنهما اعتقدا أن مسلسل فينينو كان أمثل طريقة للتحدث عن “أهمية أن تكون مرئيًا.. وكيف أنه ليس من المهم أن تكون مثاليًا”، مشددًا على أنه “من المهم أن تظهر نفسك.. هذا بيان سياسي لا يمكن إنكاره”.
اعتمد أمبروسي وكالفو على ثلاثة ممثلات عابرات جنسيًا لأداء شخصية أورتيز في المسلسل، دانييلا سانتياغو لعبت دور أورتيز أثناء الفترة التي كانت تقيم فيها مع عائلتها في أدرا، بينما أسند دور الفترة التي كانت تخضع فيها أورتيز لجلسات التحول للممثلة جيدت سانشيز، وأخيرًا إيزابيل توريس التي كان لها دور المراحل الأخيرة من سنوات أورتيز.
تقول جيدت خلال مقابلة افتراضية مع مجلة فارايتي إنه عندما عرض عليها أداء شخصية لا فينينو كانت قد بدأت أولى مراحل جلسات تحولها بالهرمونات، مضيفةً أنها قامت بتأخير إجراءات التحول النهائية لأن دورها كان يفرض عليها ظهورها كذكر في المسلسل، وهي الفرصة التي لم تكن لترغب بالتخلي عنها.
وتضيف جيدت في حديثها مشيرة إلى أنها لم “تشهد حقيقة لا فينينو من قبل”، موضحة في حديثها أن إسبانيا لم تكن معتادة على “ظهور امرأة مثلها عبر التلفزيون.. لكن إسبانيا وقعت في حبها”، فقدت أورتيز الكثير من الأشياء بعد توقف البرنامج التلفزيوني في عام 1997، وهو ما تراه جيدت بأن لا فينينو “كانت نوعًا ما امرأة ضائعة”، وتضيف وفقًا لما نقلت المجلة الأمريكية “لم تكن تعرف ماذا تفعل، كانت محاطة بالأشخاص الخطأ”، معتقدةً أن لا فينينو اتخذت في حياتها “الكثير من القرارات السيئة”، إذ ترى أنه لو كان لأورتيز أصدقاء جيدين لربما كانت لا تزال على قيد الحياة.
يصف خافيير كالفو مسلسل فينينو بأنه: “بيان سياسي لا يمكن إنكاره”
في حديثها للمجلة الأمريكية أشادت جيدت باختيار مخرجي المسلسل لممثلات عابرات جنسيًا لأداء الشخصيات الرئيسية، وتقول في هذه السياق: “لقد كان ثوريًا لأننا اعتدنا على رؤية ممثلين ذكور يلعبون أدوارًا متحولة مع الشعر المستعار”، قبل أن تضيف مؤكدةً على أنهنّ: “لسنا رجالًا يرتدينّ شعرًا مستعارًا.. نحن نساء “، كما أن صُناع المسلسل اختاروا كذلك أكبر عدد ممكن من العابرين/ات جنسيًا ضمن طاقم فريق الإنتاج.
ويوضح أمبروسي ذلك بالقول إنه “إذا كنت ترغب في إنشاء قصص حول مجتمع الميم، فعليك أن تفعل ذلك مع (مجتمع) الميم”، لأنه لا يمكن لأحد إخبار مثل هذه القصص إلا من خلال مجتمع الميم أنفسهم، ويسجل في هذا الجانب الدعم الذي حصل عليه مخرجيّ العمل من قبل المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار الذي كان يسأل دائمًا عن الطريقة التي تسير بها مراحل إنتاج المسلسل، وكان متفاجئًا من وجود ممثلة عابرة جنسيًا ستلعب دور أورتيز في المسلسل بعدما عرض عليه أمبروسي مشاهدة تجربة الأداء لدانييلا سانتياغو.
في الحديث عن أن وفاة أورتيز سببها حادثة السقوط في منزلها، تبرز في مقابلها الأحاديث الشائعة بأنها قتلت داخل منزلها بعد نشر مذكراتها الشخصية بشهر واحد فقط، بسبب ما أثير حولها عن إقامتها علاقات جنسية مع شخصيات نافذة في المجتمع الأسباني، يقول أمبروسي حول هذه القضية إن المسلسل لا يقدم إجابات عن ظروف وفاتها، قبل أن يختم حديثه مؤكدًا على أن المسلسل ليس إلا محاولة بأن يكون تحية موجهة لأورتيز أكثر من أنه تحقيقًا.