عندما أصدر المعهد الأمريكي للسينما قائمة ألأفلام العشرة الأفضل في الشهر الماضي لهذا العام، كانت الخمسة أفلام الأفضل منها مرتبطة بقضايا السود حتى أن فريق العمل من الممثلات والممثلين كاد أن يكون محصورًا بأصحاب البشرة السوداء، وهو اختراق حقيقي يصنع تنوعًا لمجتمع الأفلام السوداء، ويضعها على قدم المساواة مع أي فيلم آخر يمكن تذكره، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بجوائز نهاية العام.
كانت تلك الأفلام من إخراج سبايك لي عن فيلم الأخوة الخمسة/ Da 5 Bloods، والمخرج جورج سي وولف عن فيلم قاع ماريني الأسود/ Ma Rainey’s Black Bottom، وفيلم ليلة واحدة في ميامي/ One Night in Miami للمخرجة ريجينا كينج، وكذلك فيلم يهوذا والمسيح الأسود/Judas and the Black Messiah للمخرج شاكا كينج، وأخيرًا فيلم الرسوم المتحركة سول/Soul من إنتاج مشترك بين استوديوهات ديزني وبيكسار.
في مراجعة مطوّلة للناقد بيت هاموند نُشرت في موقع ديدلاين الإلكتروني بعنوان “ما الذي تعنيه ترشيحات بافتا، ونقابة المخرجين الأمريكية، ونقابة المنتجين الأمريكية؟ هل هي دلالة على جائحة مؤقتة؟ أم هو تغيير حقيقي في صناعة السينما وجوائزها؟”، يقول إن هذا ما يبدو عليه الأمر على الأقل بالنسبة لمجتمع السود، حيثُ أن هذا العام سيكون علامة فارقة وسيبقى كذلك بما يخص ترشيحات بافتا التي ستكون مستحقة يوم الإثنين القادم، حيث أن ثلاثة من هذه الأفلام تتصدر قائمة العشرة الأفضل كما صدر في قائمة نقابة المنتجين الأمريكيين، والتي تعتبر عادة مصدرًا موثوقًا لناقدات ونقاد الجوائز.
صنف المعهد الأمريكي للسينما خمسة أفلام مرتبطة بقضايا السود من أصل أفضل عشرة أفلام لهذا العام
ولكن كان هنالك مؤشرين رئيسيين بين ناخبي جوائز الأوسكار، هما جائزتي الأكاديمية البريطانية للأفلام (بافتا)، ونقابة المخرجين الأمريكيين، اللذين أعلنا المرشحين الأفضل لهذا العام، ولم يكن بين تلك الأفلام الخمسة الأفضل والمرشحة من قبلهما أي من تلك الأفلام ذات الطابع الأسود، بالنسبة لنقابة المخرجين فإن التقدم الحقيقي نحو التنوع هو أن تواصل المخرجة كلوي تشاو المولودة في بكين إحرازها للجوائز عن فيلم رحالة/Nomadland في مواجهة الممثلة والمخرجة البريطانية إميرالد فينيل عن فيلم شابة واعدة/Promising young woman ، وهي المرة الأولى التي تتواجد فيها امرأتان في هذه القائمة بآن معًا.
تتنافس الأسماء السابقة مع ديفيد فينشر عن فيلم مانك/Mank، وهو المخرج الوحيد الذي تم ترشيحه سابقًا، إضافة لآرون سوركين عن فيلمه محاكمة السبعة من واشنطن/Trail of the Chicago 7 ، والمخرج الأمريكي من أصل كوري لي إسحاق تشونج عن فيلم ميناري/Minari ، كما أنها دعمت أفلام الصف الأول ولا استغراب في ذلك.
أما في فئة صناع الأفلام لأول مرة فقد لاحظت نقابة المخرجين الجهد المبذول من قبل كينج في فيلم ليلة واحدة في ميامي، وفيلم نسخة سن الأربعين/ The Forty-Year-Old Versionباكورة أعمال المخرجة رادها بلانك، لتنضم بذلك إلى المخرج داريوس ماردر عن فيلم صوت الميتال/ Sound of the metal، وفيلم الأب/ The Fathers للمخرج فلوريان زيلر أو فيلم أنا لم أعد هنا/ I’m no longer here للمخرج فرناندو فرياس.
وبالنظر لفوزها بآراء النقاد ستكون تشاو المرشحة الأوفر حظًا، وهي التي إن فازت ستكون ثاني امرأة تفوز في قائمة نقابة المخرجين (أو جوائز الأوسكار المرتبطة بهذا الشأن) منذ أن فازت بها للمرة الأولى كاثرين بيجلو عن فيلمها خزانة الألم/ The Hurt Locker في عام 2010، ومن الواضح أن النقابات المرتبطة بهوليوود هي المؤشرات الرئيسية للأوسكار، ومع ترشيح فيلم رحالة من قبل نقابة منتجي هوليوود، إضافة لسبع ترشيحات في جوائز بافتا، فإن هذا الفيلم المنتج من قبل شركةSearchlight سيكون في مقدمة المنافسة.
لم تكن بداية فيلم رحالة في جوائز نقابة الكتاب الأمريكية إذ أنه لم يرشح من قبلها، ومن المحتمل أن يتم عرضه في الحفل، كما سيتم عرضه أيضًا في حفل نقابة ممثلي الشاشة الأمريكية، على الرغم من ترشح فرانسيس ماكدورماند نجمة فيلم رحالة.
إن قلة عدد الممثلين المرشحين قد يكون – أو لا يكون – حجر عثرة في طريق حفل نقابة ممثلي الشاشة، والذي سيستمر لمدة ساعة وسيرافقه تسجيلات معدة مسبقًا على تطبيق الزووم للفائزين، مما سيخفف من حماسة الفوز في هذا الحفل، وقد تتغير قواعد اللعبة كما حدث عندما فاز بشكل مفاجئ فيلم طُفيلي/Parasite العام الفائت.
وبدلًا عن ذلك فإنني أتطلع إلى الحفل الذي ستقيمه نقابة المنتجين في الـ24 من مارس/آذار باعتباره لحظة الحقيقة بالنسبة لفيلم رحالة، أما إذا خسر فسيكون الطريق معبدًا أمام فيلم السبعة من شيكاغو، وهنا قد تبدأ المقارنة مع ما حدث في العام 2011، حين فاجئ فيلم خطاب الملك/ The King’s Speech العالم في مواجهة فيلم الشبكة الاجتماعية/The social network (والذي للسخرية كتبه سوركين) وهو الفيلم الذي اكتسح الجميع بما في ذلك جائزتي غولدن غلوب واختيار النقاد للأفلام، لكن نقابة المنتجين وقفت في طريقه للفوز بجائزة الأوسكار.
لكن دعونا نتكلم عن مرشحي بافتا
إن الجهود المتضافرة والتي تدفع باتجاه المواضيع المرتبطة بالتنوع، وقامت بافتا ببذلها بعد الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها – بسبب العدد القليل من المرشحات النساء عن فئة الإخراج بالإضافة إلى الفقر الشديد بعدد الترشيحات المرتبطة بقضايا التنوع بشكل عام – آتت ثمارها في فئتي التمثيل والإخراج في هذا العام، وما أثمر أيضًا بشكل ما هو عودة حفل بافتا إلى جوهره البريطاني ولكن على حساب المعايير الموثوقة التي تقررها الأوسكار.
أثبتت ترشيحات بافتا لهذا العام عودتها إلى جوهرها البريطاني ولكن على حساب المعايير الموثوقة التي تقررها الأوسكار
إن لدى كل من بافتا وجائزة الأكاديمية الأمريكية المعروفة بـ”الأوسكار” مايقارب 500 محكم بشكل عام (قد لا يكون العدد دقيقًا، لكنه عدد كبير)، ومع ذلك فإن عمليات التحكيم لفئتي التمثيل والإخراج جعلت الأمر متكافئًا مع الأوسكار، خصوصًا بالنسبة للأفلام البريطانية المستقلة، والتي كان لها تأثير الضربة القاضية على حملة الأوسكار وحملات المنافسين.
ليس على قائمة المرشحين لدى بافتا أي من المرشحين المتوقعين لجوائز الأوسكار من أمثال: كاري موليجان، فيولا ديفيس، غاري أولدمان، أماندا سيفريد، ساشا بارون كوهين، أوليفيا كولمان، غلين كلوز، صوفيا لورين، جودي فوستر، وديلروي ليندو، إنما على عكس ذلك فإن مرشحي بافتا كانوا من الممثلات والممثلين الأقل شهر مثل: بوكي بكراي، يونومي موساكو، أدراش غوراف، نيما ألغار، كوسار علي، أشلي ماديكوي، وباري كيوغان.
أما فئة الإخراج فتشمل أربعة سيدات شجاعات وموهوبات من أصل ست من المرشحين، وعلى رأسهم المرشحة الأوفر حظا تشاو، قامت بافتا أيضًا بترشيح الفيلم البريطاني المستقل صخور/Rocks، والذي تدور قصته حول مجموعة من فتيات المدارس، حيث انضم هذا الفيلم إلى فيلم رحالة كقائد مشارك في هذه الترشيحات بما يخص المواضيع المرتبطة بقضية التنوع، هذه الأفلام وغيرها لم تظهر حتى في قائمة الأوسكار والتي تضم 366 فيلمًا، ولم يكن هنالك ترشيحات لأفلام بريطانية مثل هادئ مع الأحصنة/Calm with horses أو حدود مقاطعة/County Line اللذين نالا استحسانًا من قبل بافتا عن فئة التمثيل.
وبسبب هذه الفئات الجديدة، كان لدى بافتا مستوى أعلى من التقدير للأفلام البريطانية المستقلة أكثر مما كان لديها في السنوات الماضية، وفي الواقع قامت بافتا قبل عدة سنوات بإجراء تغييرات جذرية من أجل جعل حفلهم أكثر انسجامًا مع حفل الأكاديمية الأمريكية، أما اليوم فتشير النتائج أنه وبالمقارنة مع الأوسكار فأن البريطانيين بدؤوا يستعيدون مكانتهم وجوائزهم مقارنة مع ما سنراه يوم الإثنين في حفل توزيع الجوائز.
في الحقيقة كان هنالك فجوة عميقة بين الأكاديميتين خصوصًا عندما كان الأمر يتعلق باختيار أفضل فيلم، فمنذ عام 2004 لم تتقاطع خيارات بافتا مع الأوسكار سوى ستة مرات من أصل 16 مرة، بما في ذلك السنوات الستة الماضية، مع اختيار فيلم رحالة، سيكون لدى بافتا الفرصة الأقوى ليتقاطع خيارها مع خيار الأوسكار عن أفضل فيلم.
وبالحديث عن فئة أفضل فيلم لدى بافتا، فإن الأكاديمية البريطانية لم تختر سوى خمسة أفلام مرشحة عن هذه الفئة، وذلك على العكس من الأوسكار، والتي لديها أكثر من عشرة أفلام، وعلى الرغم من كل الخفافيش التي كانت بافتا تتحملها، فهي اليوم تنذر نفسها لقضايا التنوع المختلفة، وهنيئًا لها على ذلك ولكن لنتأمل ما يلي:
فيلم الأب يدور حول مجموعة من الأشخاص البيض الذين يعانون من الخرف، فيلم الموريتاني/The Mauritanian يتكلم عن مجموعة من المحامين البيض الذين يدافعون عن مشتبه بهم في أحداث 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، فيلم رحالة يدور حول مجموعة من المشردين البيض المهمشين من قبل المجتمع والذين يعيشون على الطرقات، فيلم شابة واعدة يتكلم عن شابة ثلاثينية بيضاء تعاني من مشاكل تعود إلى أيام الدراسة، وأخيرًا في فيلم محاكمة السبعة من شيكاغو يقاضي ستة من المحامين البيض ستًا من الذكور البيض، وواحد أسود البشرة، كانوا قد قاموا بأعمال شغب في فترة المؤتمر الديموقراطي عام 1968، لا أستطيع أن أجادل في جودة هذه الخماسية، ولكن ربما حان الوقت أيضًا لبافتا لتوسع عدد المرشحين لتشمل عددًا أكبر فيما يخص قضايا التنوع.
إن الفنون بشكل عام قادرة على وضع الأمور على مسار التصحيح، إن لم يكن على المسار الصحيح
وكما ذكر سابقًا، فقد كانت سنة ممتازة لكي تطرح قضايا السود على الشاشة، ولكن قائمة أفضل الأفلام التي تم طرحها من قبل بافتا ونقابة المخرجين لا تعكس هذه الحقيقة، ولكن مما لا شك فيه أن هناك تقدمًا قد تم إحرازه فيما يخص المرأة.
مع ذلك، فقد كان من العناويين الرئيسية التي عززت ذلك ما ذكر في مقابلة أوبرا وينفري التي أجرتها مع الأمير هاري وميغان ميركل، أنه ما يزال لدينا طريق طويل لنمضي به من أجل معالجة قضايا العنصرية، بشكل متعمد رسميًا أو بغيره، إن الفنون بشكل عام قادرة على وضع الأمور على مسار التصحيح، إن لم يكن على المسار الصحيح، ولكن الأمر كله يعود لهيئات المحكمين في جوائز الأوسكار، بافتا، وغولدن غلوب، وذلك من أجل أن يحاولوا المساعدة في جذب الانتباه إلى تلك الأفلام الجديرة بالجوائز، والتي تحاول أن تعالج ما هو خاطئ في مجتمعاتنا.
ولا تزال هنالك إحصائية صادمة عندما يتعلق الأمر بجوائز بافتا، فالممثل دنزل واشنطن كان قد رشح لجائزة الأوسكار تسع مرات وفاز بها مرتين، لكنه حتى الآن لم يرشح من قبل الأكاديمية البريطانية ولا لمرة، وأبقت بافتا على هذا السجل كما هو، وذلك من خلال رفضها ترشيح فيلم قاع ماريني الأسود، وهو فيلم تم دعمه وإنتاجه من قبل واشنطن بالإضافة للمنتج تود بلاك.