بعد سبعة عشر عامًا من انتهاء مسلسل الأصدقاء/Friends بُثّت حلقة خاصة به امتدّت لساعتين تقريبًا أُعِيد فيها لم شمل الممثلات والممثلين الستة مجددًا، هذه الحلقة حَمَلت المشاهدات والمشاهدين، وحتى المشاركات والمشاركين بها ليمروا بمختلف أنواع العواطف، فبمجرد رؤية تجمّع أبطال المسلسل معًا تضطّرب الأحاسيس وتختفي القدرة الإدراكية لتمييز الحالة الشعورية، بينما تدور عجلة المشاعر بالجمهور من حالة الحزن إلى الفرح ثم الخوف والدهشة إلى الترّقب والغضب، لينتج عنها حالات متعددة غير قابلة للقياس.
في بداية الحلقة تدخل الممثلات والممثلين إلى المسرح واحدًا تلو الآخر، ليكون أول الوافدين الممثل ديفيد شويمر (روس غيلر) الذي جال المكان مسترجعًا بعض الذكريات، لكن في الواقع لم يكن ديفيد وحيدًا، إذ أن الحلقة تجعلك تشعر ضمنيًا أنك الواصل الأول الفعلي الذي يترّقب قدوم الجميع لأن مسلسل الأصدقاء على مدى سنوات استطاع خلق شعورًا بالانتماء الاجتماعي لهذه المجموعة من الأصدقاء لدى عدد من المتابعات والمتابعين، وهو انتماء تلفزيوني يتخطّى الوجود الجسدي لكنه يحقق الحضور المعنوي، وهذا ما استرجعته الحلقة منذ البداية، لذلك هؤلاء الأشخاص عاشوا حالة غير واعية وربما واعية بأنهم صديق ما وراء الشاشة في هذه الحلقة أيضًا، ليدخل بعد ديفيد الممثلة ليزا كودرو (فيبي بوفيه) ومن ثم جينيفر أنيستون (رايتشل غرين)، وبعدها الممثل مات لوبلانك (جوي تريبياني)، لتصل الممثلة كورتني كوكس (مونيكا غيلر)، وبذلك يدخل آخر الوافدين الممثل ماثيو بيري (تشاندلر بينغ).
عند عرض الحلقة الخاصة من مسلسل الأصدقاء عاش الجمهور حالة نفسية تدعى “نوستالجيا”، وهو مصطلح يعني الشعور بالسعادة وحزن طفيف في نفس الوقت ناتج عن الحنين للماضي
وقبل عرض الحلقة طُرحت العديد من الأسئلة والتوقعات عن مضمونها، لأن هذه الحلقة ليست امتداد لأحداث المسلسل بل ستكون لقاء بين الأصدقاء بشخصياتهم الحقيقة، فالمضمون غير واضح تمامًا، ويعد ذلك تحدي لإعداد محتوى يناسب مسلسل الأصدقاء، ويُرضِي سنوات من الانتظار لدى المعجبين، ليتضّح بعد بثّ الحلقة بأنه مضمون متنوّع من إعادة لم الشمل أولًا، وإجراء مقابلة مع المضيف التلفزيوني جيمس كوردن ثانيًا، والتي تخللها بعض الأسئلة الموجهة للأصدقاء، وحتى تضمنت الحلقة إعادة إحياء لعبة قُدمت خلال أحداث المسلسل (التي خسرت فيها رايتشل ومونيكا شقتهما لصالح جوي وتشاندلر) لكنها حُوِّلت لتكون أسئلة يطرحها ديفيد عن أمور متعلقة بالمسلسل ذاته.
والملاحظ هنا الطريقة الذكية التي أُجري فيها هذا الاختبار عبر جلب شخصيتي مستر هيكلز وريتشارد والرباعي الغنائي الذي اُشتهر بنقل رسالة من روس إلى رايتشل أو حتى جعل الممثل مات لوبلان يتعرّف على توأم يدي جوي المتطابقتين، كما أُجيب بشكل مؤكد ونهائي خلال الاختبار عن السؤال الذي لم نملك إجابة عنه حتى الآن وهو طبيعة عمل تشاندلر بينغ!
وقد لعبت محاكاة تفاصيل المسلسل دورًا مهمًا للاقترب بالجمهور من أجواء مسلسل الأصدقاء مرة أخرى، فعند عرض الحلقة عاش الجمهور حالة نفسية تدعى “نوستالجيا”، وهو مصطلح يعني الشعور بالسعادة وحزن طفيف في نفس الوقت ناتج عن الحنين للماضي، وهي كلمة ذات أصل إغريقي تتألف من قسمين الأول “نوستوس” أي رحلة العودة، والثاني “ألغوس” أي الألم والحزن، لذلك إن هذه الحلقة تُعد بمثابة رحلة عودة لإحياء الشعور العام المرافق للمسلسل، ويتبيّن هذا في عدة محاولات منها جلوس الممثلين معًا لحضور الأخطاء التصويرية بنفس المكان الذي اعتادوا الجلوس فيه في شقة مونيكا ومشاهدة التلفاز، وأيضًا إجراء الاختبار (الذي ذكر سابقًا) بنفس المكان وبنفس الأدوار، بالإضافة إلى إجراء المقابلة التلفزيونية أمام نافورة المياه المشهورة من أغنية المسلسل.. كل تلك الأمور التفصيلية كانت كافية لجعل الحلقة تبدو عودة حقيقية.
ومن الجدير بالذكر أن إعادة قراءة بعض حوارات المسلسل بين الأصدقاء كانت إحدى الإضافات المليئة بالذكريات، وذلك على الرغم من المشاهدة السابقة للمسلسل ستحظى بنفس المتعة التي حظيت بها عند رؤية العرض لأول مرّة، إذ لم يفقد الأصدقاء قدرتهم على تأدية المشاهد التمثيلية لشخصياتهم سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، فكان الانسجام بينهم أثناء القراءة المشتركة بارزًا ومضحكًا كالمعتاد، ويشبه إلى حد كبير أدائهم داخل المسلسل، فعلى المستوى الفردي أبدعت ليزا (فيبي) بتمثيل ردّة فعلها المشهورة باللحظة التي اكتشفت بها علاقة مونيكا وتشاندلر، وحتى بعد سنوات تمكّن كل من ديفيد وجينيفر من الوصول لنفس مستوى الرومنسية أثناء قراءة مشهد قبلة روس ورايتشل الأولى، كل هذا وغيره من القراءات النصيّة الأخرى تجعل الجمهور يطمئن بأن شخصيات المسلسل مازالت حيّة داخل البطلات والأبطال الستة.
ولم تقتصر الحلقة على وجود الشخصيات الرئيسية والثانوية من المسلسل، بل امتازت باستضافة نوعين من الأشخاص أولهما شخصيات مشهورة تتكلّم عن الحلقات والشخصيات المفضلة لديهم من مسلسل الأصدقاء، ليشير ذلك إلى مدى شهرة هذا العمل على مستوى العالم وعلى مختلف الأصعدة، فعلى سبيل المثال ظهرت مالالا يوسفزي، وهي ناشطة باكستانية وحائزة على جائزة نوبل للسلام للتحدث عن حلقتها المفضلة، كما كان هناك لاعب كرة القدم الإنكليزي ديفيد بيكهام، والممثلة ميندي كالينج التي كان من أشهر أدوارها شخصية كيلي كابور في مسلسل المكتب/ The Office، ذلك بالإضافة إلى ظهور الممثل البريطاني كيت هارينغتون المعروف بشخصية جون سنو في مسلسل صراع العروش/ Game Of Thrones، وثانيهما شخصيات عامة من أنحاء العالم يتحدثون عن مدى تأثير مسلسل الأصدقاء على حياتهم الشخصية والاجتماعية والعاطفية، وهو أمر يتشاركه عدد من جمهور مسلسل الأصدقاء، فقد كان للمسلسل فضل كبير لتخطّي مراحل حياتية سيئة واكتساب خبرات اجتماعية أو حتى تعلّم اللغة الانكليزية، ويختلف نوع وحجم الفائدة المكتسبة من هذا المسلسل باختلاف الأفراد لكنها بشكل أو بآخر كانت بالفعل مُساعِدة، وهو ما عملت هذه الحلقة على التأكيد عليه وإبرازه.
ومن الناحية الترويجية يعتبر نجاح المسلسل وامتداد جمهوره حول العالم كافيًا للترويج للحلقة الخاصة به، ولم يكن من الضروري انضمام بعض الشخصيات المشهورة إليها، فوجودهم في بعض الحالات كان نقطة ضعف بدلًا من أن يكون نقطة قوة، مثل غناء ليدي غاغا والجوقة لأغنية سميلي كات مع فيبي، فقد كان الأداء الموسيقي جميل، إلا أن هذا التكلّف لم يكن محسوبًا، فالجمهور انتظر هذه الأغنية من فيبي حصرًا لأنها أغنية تحمل “بساطة” فيبي، وبناءً على معرفة الجمهور بشخصيتها من الواضح أنها تلك الفتاة التي فضلّت الحصول على حفل زفاف بسيط عوضًا عن حفل مُكلف لن تقبل أيضًا بهذا الأداء المبالغ فيه، وهو ما أكدت عليه الممثلة ليزا ممازحةً بقولها: “مازلت أظن أن الأداء أفضل عندما أكون بمفردي”، لكنه في الواقع أمر صحيح.
ويرى البعض أن عملية اختيار الممثلات والممثلين تحديدًا تعتبر أحد أهم عناصر نجاح هذا المسلسل فكل شخصية أدت دورها بامتياز وبعضها وصل للمثالية، لذا كان من المثير للاهتمام معرفة بعض الحقائق حولها، وهنا يسرد لنا كل من ديفيد كرين ومارتا كوفمان قصصًا تستحق أن تأخذ مكانًا في الحلقة الخاصة أو التي عرفت باسم حلقة “لم الشمل”، فمن كان يتصور أن اختيار الممثلة ليزا لتأدية دور فيبي مبني على شخصية أورسولا في مسلسل مجنون بك/ Mad About You، وأنه لولا تعابير وجه ديفيد البائسة لم يكن ليحصل على دور روس.
يرى البعض أن عملية اختيار الممثلات والممثلين تحديدًا تعتبر أحد أهم عناصر نجاح هذا مسلسل الأصدقاء فكل شخصية أدت دورها بامتياز وبعضها وصل للمثالية
وفي خضم المشاعر التي عصَفت بالجمهور خلال الحلقة كان من أبرز الأمور التي أثارت الدهشة هي كشف جينيفير وديفيد لمشاعر الإعجاب التي امتلكها كل منهما تجاه الآخر في الموسم الأول، فقد عرفنا الثنائي روس ورايتشل لكننا لم نكن نعلم أنه كان من الممكن أن يكون هناك الثنائي ديفيد وجينيفر، ليثير هذا الاعتراف سؤالًا بديهيًا: “هل كان ديفيد وجينيفر يعيشان علاقة عاطفية من خلال روس ورايتشل؟”، وصرّحت جينيفر: “وجهنا مشاعر الإعجاب والحب لبعضنا لصالح روس ورايتشل”، ونتيجة لذلك من المتوقع أنه من الآن وصاعدًا عند تكرار مشاهدة المسلسل سوف يتبادر في أذهاننا أن هذا المشهد وهذه القبلة تتضمن كل من جينيفر وديفيد، وروس ورايتشل معًا.
ومن الأمور التي أبعدتنا عن الشعور بوجود فاصل زمني طويل بين المسلسل والحلقة هو أن الشخصيات الحقيقية للمثلات والممثلين تحمل صفات مشابهة لشخصياتهم في المسلسل، حيث نلمس هذا التشابه في تصرفات وأقوال البعض، وذلك عندما قال ماثيو بيري متحدثًا عن الجمهور: “بالنسبة لي كنت أشعر أنني سوف أموت إذا لم يضحكوا، وهو أمر غير صحي بالتأكيد لكنّي أحيانًا أقول جملة ولا يضحكون لذلك أتعرق وأشعر بتشنجات ما لم أحصل على الضحكة التي من المفترض أن أسمعها”، وهذا الحال بالنسبة لشخصية تشاندلر فهي شخصية ساخرة و تستمد كيانها وهويتها من خلال إلقاء الدعابات المضحكة، وأيضًا في إحدى اللقطات تظهر ردة فعل الممثلة ليزا وكأنها فيبي تمامًا عندما اقتربت منها حشرة أثناء المقابلة مع جيمس مما دفع جيمس للتعليق على هذا الموقف قائلًا: “حتى أنكِ تفاعلتي مع هذا كفيبي”.
وفي نهاية المطاف يمكن استنتاج أن المحاولات المقصودة وغير المقصودة للعودة بالجماهير نحو أجواء المسلسل في إطار مراعاة الفارق الزمني بينهما هي عنصر أساسي وصل بالحلقة إلى المستوى المطلوب لنجاحها دون أن يضّر ذلك بنجاح المسلسل الكبير، وتبعًا لهذا كانت الحلقة بمثابة عودة زمنية مؤثرة يستمد منها الجمهور نفس الطاقة التي استمدها سابقًا من مسلسل الأصدقاء، وعند الانتهاء من مشاهدة الحلقة ستدرك أن سؤال جينيفر عن مكان علبة المناديل خلال الخمس دقائق الأولى هي إشارة لجلب علبة المناديل الخاصة بك نظرًا لكم المشاعر المختلفة التي ستمر بها وتدفعك لاستخدامها.