بدأت نتفليكس عرض الموسم الـ5 لسلسلة الدراما البريطانية “التاج” (The Crown) المكوّن من 10 حلقات، اليوم الأربعاء، في مختلف أنحاء العالم، وسط موجة من الانتقادات التي استبقت إطلاقه، بعدما وصف بأنه “تشويه” للحقائق المرتبطة بالعائلة المالكة، بما في ذلك المقابلة التلفزيونية للأميرة ديانا (1961 – 1997) التي أجرتها مع قناة بي بي سي البريطانية في تسعينيات القرن الماضي.
لكن الكاتب ومبتكر السلسلة البريطانية، بيتر مورغان، ذكّر الجمهور بأن وسائل الإعلام غالبًا ما كان تناولها لأخبار العائلة المالكة سلبيًا في فترة التسعينيات، وهي الفترة ذاتها التي يقوم الموسم الـ5 بسرد قصتها، مشيرًا إلى أن العائلة المالكة كانت تواجه في تلك الفترة حالة من “عدم اليقين والثقة”، وفقًا لمقابلة أجراها مؤخرًا مع مجلة إنترتينمنت ويكلي الأميركية.
العائلة الملكية ترحب بكم في تسعينيات القرن الـ20
في محاولة لتهدئة موجة الانتقادات التي طالت المسلسل الحائز على 21 جائزة إيمي، قامت نتفليكس بتعديل وصف المسلسل عندما نشرت المقدمة الرسمية للموسم الـ5 بتأكيدها على أنه “دراما خيالية”، وتقول المنصة العالمية في وصفها المعدّل للسلسلة: “من وحي أحداث حقيقية، تتناول هذه الرؤية الدرامية الخيالية قصّة الملكة إليزابيث الثانية والأحداث السياسية والشخصية التي شكّلت فترة حكمها”.
وجاء في ملخص الموسم الجديد: “إنها بداية عقد جديد، وفيه تواجه العائلة المالكة ما قد يشكل أكبر تحدياتها على الإطلاق، وهو إثبات استمرار أهمية دورها في بريطانيا خلال حقبة التسعينيات. وبينما يخوض تشارلز وديانا حربًا إعلامية مستعرة، تبدأ التصدعات في شق صفوف المؤسسة الملكية”، وتختم الملخص بالإشارة إلى أنه في هذا الموسم “يُطرح للنقاش دور المَلكية.. مرحبًا بكم في تسعينيات القرن الـ20 مع التحدي الأكبر الذي يواجه الملكة إليزابيث الثانية”.
تفتتح نتفليكس المقدمة الرسمية بلقطة من الحياة الواقعية تصوّر الحريق الذي اندلع في قلعة وندسور في عام 1992، بينما نستمع في خلفية المشهد إلى صوت إليزابيث الثانية (تؤدي دورها إميلدا ستونتون) تقول: “ربما لدي ما أفكر فيه مليًا أكثر من معظم الناس” في إشارة إلى الأزمات التي كانت تعصف بالعائلة الملكية، والذي يؤكده صوت مجهول لاحقًا يقول: “العائلة الملكية في أزمة حقيقية”، ويضيف أحد مقدمي البرامج الإخبارية متساءلًا “هل أضرت الفضائح الملكية بسمعة البلاد؟”.
بعدها تعطينا المقدمة لمحة لما سنشاهده في هذا الموسم حول الخلاف بين تشارلز (يؤدي دوره دومينيك ويست)وإليزابيث الثانية، في تصوير لما ارتبط بشائعات محاولة إزاحة والدته عن العرش، حيث يقول: “دعوت لسنوات إلى نظام ملكي أكثر حداثة يعكس العالم الخارجي”، وهو الأمر الذي كان معروفًا أنه يدعمه بشدة، كما تكشف المقدمة عن العلاقة القوية بين تشارلز وكاميلا (تؤدي دورها أوليفيا ويليامز)، المعروفة بالملكة القرينة والزوجة الثانية لتشارلز، في قبلة تجمعهما، وهذه القبلة تبدو إشارة إلى النهاية السعيدة لعلاقتهما.
تركز المقدمة في منتصفها على الأميرة ديانا (تؤدي دورها إليزابيث ديبيكي) التي تقول: “لن يفهم الناس أبدًا حقيقة الوضع الذي أعيشه.. لم يكن لدي أمل قط”، وفيما يشبه لغة التهديد والتحذير، يقول دوق إدنبرة الأمير فيليب (يؤدي دوره جوناثان برايس) مخاطبًا ديانا في المقدمة: “القاعدة الوحيدة.. ستبقين وفية لهذه العائلة”، لترد ديانا: “أتقصد صامتة؟”، فيجيب فيليب: “أجل. إنه نظام، مهما كانت الظروف. كلنا عالقون فيه”.
يمكن القول أن اللقطات السريعة التي نشاهدها بعد نحو 1.43 دقيقة من المقدمة الرسمية تكشف عن الأسباب التي أدت إلى موجة الانتقادات للموسم الـ5، تقول ديانا أولًا: “لن أرحل بهدوء. سأقاتل حتى النهاية”، قبل أن نستمع إلى تشارلز يقول: “أمجادها تنتمي إلى الماضي.. سيمضي العالم قدمًا.. ولن يبقى لنا شيء”، فيما يبدو إشارة إلى خلافه مع إليزابيث الثانية التي تختتم المقدمة الرسمية بتساؤلها: “كيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟”.
توقيت عرض الموسم الـ5 “يهدد شعبية” الملك تشارلز
بدأت الانتقادات التي وجهت للموسم الـ5 بعد وقت قصير من إعلان نتفليكس موعد عرضه العالمي الأول، حيثُ رأت الصحافة البريطانية أن توقيت عرض الموسم ما قبل الأخير، والذي جاء بعد وقت قصير (بعد شهرين) من وفاة الملكة إليزابيث الثانية (1926 – 2022) كان سيئًا، وأضافت بأن تصوير الحلقات الجديدة للملك تشارلز الذي تولى منصبه في 8 سبتمبر (أيلول) الماضي قد يهدد شعبيته، بعدما ظهر في المقدمة الرسمية محاولًا دفع والدته للتنحي عن العرش.
صحيفة ديلي تلغراف البريطانية، والمعروف بأنها من أكثر الصحف المؤيدة للحكم الملكي في المملكة المتحدة، أشارت في مقال بعنوان “قرار التاج بإظهار حرب [شاملة] بين تشارلز وديانا يثير مخاوف القصر” إلى أن صديق تشارلز وصف المسلسل بأنه “استغلالي”، مضيفًا بأن نتفليكس “لن تتوانى عن تشويه سمعة الناس”، حتى سمعة الملكة الراحلة.
المحررة الثقافية في موقع بي بي سي، كاتي رازال، قدمت في قراءتها وصفًا لتصوير الموسم الـ5 لتشارلز بإشارتها إلى أن “الكثير من الجدل حول هذه السلسلة يدور حول ما إذا كان الأمير تشارلز، الملك الآن، قد تم تصويره بشكل غير عادل فيما يتعلق بعلاقته بالأميرة ديانا، وخلال محاولته إيجاد دور لنفسه كأمير لويلز”.
تقول رازال في قراءتها للموسم الـ5: “كلما اقتربت هذه السلسلة من الوقت الحاضر زادت أهمية التمييز بين الحقيقة والواقع المُشوش والخيال”، وتضيف بأن المسلسل: “معقول جدًا وإنساني جدًا لدرجة أنه من المستحيل دائمًا كمشاهد عادي أن تميز بين الدراما والواقع”، موضحة أنه: “في غياب الحقائق المتعلقة بالملكية والتي من المحتمل ألا نعرفها أبدًا، فإن هذا الخيال يملأ الفراغ، ويصبح الحقيقة بالنسبة للكثيرين”.
كذلك، شملت الانتقادات تصوير الموسم الجديد للمقابلة التي أجرتها ديانا مع الصحفي مارتن بشير لصالح بي بي سي، والتي أشارت فيها إلى دور كاميلا في انفصالها عن تشارلز، وبحسب رازال فإن بي بي سي قالت إنها لن تبث المقابلة مرة أخرى، لكن المسلسل يعيد تصوير بعض المشاهد منها.
وفقًا لوكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس) فإن رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجور كان قد شن هجومًا شديدًا على المسلسل واصفًا إياه بأنه “برميل من الهراء يهدف إلى تحقيق أقصى قدر من التأثير الدرامي”، وأضاف في رسالة لوسائل الإعلام البريطانية بأن: “المسلسل سيكون مؤلمًا للغاية لعائلة لا تزال حزينة على الشخص الذي تأسست الدراما بأكملها على حياته”، بينما وصفت الممثلة جودي دنش “The Crown” بأنه “ظالم بقسوة” للعائلة المالكة، واعتبرت أن نتفليكس “شوشت الخطوط الفاصلة بين الدقة التاريخية والإثارة الفجة”.
وانضم رئيس الوزراء السابق توني بلير إلى الأصوات التي انتقدت السلسلة الحائزة على 139 جائزة، ووصف المتحدث باسم بلير الموسم الـ5 بأنه “نوع من الهراء”، وأضاف قائلًا: “قد ترى نتفيليكس أن هذه دعاية جيدة، لكني أؤكد لهم أنها ليست كذلك، خاصة عندما لا تحترم ذكرى أولئك الذين لم يعودوا على قيد الحياة”، مؤكدًا على أنه “لا يجب عرض الخيال على أنه حقيقة”، وتابع مشيرًا إلى أنه يمكن أن يتأثر ملايين الأشخاص حول العالم بـ”نص روائي سيء يدعي [السلطة] من خلال تداخله مع الحقائق التاريخية”.
الموسم الـ5 يقدم لمحة عن عدم الثقة واليقين حول النظام الملكي
في رده على الانتقادات التي وجهت للموسم الـ5 يقول مورغان في مقابلة أجراها عبر الفيديو مع إنترتينمنت ويكلي، إنه يسلط الضوء على مرحلة كان يسودها “النقد الحقيقي وعدم اليقين والثقة”، ويضيف موضحًا: “إنه أمر مروع للغاية كيف كان الناس ينتقدون النظام الملكي في ذلك الوقت”، مشيرًا إلى أنه يجب قبول أن فترة التسعينيات “كانت صعبة على العائلة المالكة، ومن المؤكد أن الملك تشارلز سيكون لديه بعض الذكريات المؤلمة عن تلك الفترة”، فبل أن سضيف مستدركًا بأن لديه “تعاطف مع رجل في منصبه”.
في حديثها لموقع بي بي سي، تقول الكاتبة في مركز دراسات الملكية الحديثة في جامعة رويال هولواي في لندن، بولين ماكلاران، إن الجيل الأصغر سنًا الذي لم يكن لديهم ذكريات مباشرة من الحقبة الزمنية التي يغطيها الموسم الجديد قد يتأثرون بشكل “مباشر” برواية المسلسل، معبرةً عن اعتقادها بأن يأخذوا أعمال نتفليكس على أنها أشبه بـ”الوثائقية”.
لا تتوقّع ماكلاران أن يثير الموسم الجديد – الذي يصوّر العلاقة المضطربة بين الأميرة ديانا والأمير تشارلز – المزيد من التعاطف مع النظام الملكي بين الشباب، فهي ترجح أن يفهم الجيل الشاب أن “ديانا كانت ضحية معاملة تشارلز لها”، مشيرةً إلى أن التأثير الحقيقي لمثل هذه الأنواع من الأعمال التلفزيونية هو “الرسالة العاطفية”.
وترجح ماكلاران أن تظهر ديانا بالنسبة للجيل الشاب على أنها “أيقونة ثقافية” من خلال كفاحها ومناصرتها للقضايا الاجتماعية، فضلًا عن تحديها للمؤسسة الرسمية، إذ إنها ترى أن قصة ديانا هي التي ستفرض إيقاعها على الموسم الـ5، حيثُ ستجذب الجمهور الشاب الذي لا يتذكرها عندما كانت على قيد الحياة، متوقعة أن يترك الموسم الجديد انطباعًا مختلطًا حول النظام الملكي لدى الجمهور الأصغر سنًا.